الرأيسلايدر

أريد لقاحا سليما لوطني!

بقلم إكرام عبدي

مما لا شك فيه أن المرحلة الانتقالية طالت بالمغرب أو طال تمطيطها حتى ولجت متاهتي العبث واللاجدوى؛ ولا ننكر أيضا أزمة الثقة البنيوية العميقة للمواطن المغربي تجاه الساسة والاقتصاد والطب والتعليم والصناعة الدوائية عبر العالم، ليرتفع منسوب الخوف الاجتماعي بشكل مهول ولتسود نظرية المؤامرة وخطابات التشكيك اتجاه الحكومة والمؤسسات الرسمية، مخاوف وتمثلات اجتماعية مغربية شككت في البداية بوجود الداء الوبائي اللعين كوفيد19، لتتمادى في النهاية في التشكيك بوجود الدواء واللقاح “المرعب” والمسبب حسب تأويلاتهم الاجتماعية”لتحولات جينية”و”تطهير عرقي”خاصة للجغرافيات الافريقية والأسيوية، ساعين في أحايين أخر وراء تأويلات دينية ربما غير منطقية أو تتعارض مع موقف العلم والتقدم الطبي، هو حس عام مرتبط بتداول المعلومة التي تروّج في العالم بأسره ولا تميّزنا نحن كمغاربة؛ وسبق لمنظمة الصحة العالمية أن أدرجت عدم الثقة في التلقيح في قائمة التهديدات العشر للبشرية، وكلنا يتذكر فشل تجربة التطعيم الجماعي ضد أنفلونزا الخنازير في حي مانهاتن بأمريكا عام 1976 وغيرها من التجارب الصحية العالمية المحبطة.

هي تمثلات متوجسة تعززت عبر تاريخ تراجيدي لتاريخ تطوير واستخدام التلقيح عبر العالم؛ بسبب أخطاء الشركات المصنعة المتلهفة للربح السريع على حساب أرواح وصحة الإنسان، خلفية تغذي المواقف الاجتماعية المعارضة لسياسة التلقيح حتى في صفوف بعض مهني الصحة والنخب الاجتماعية والفئات ذات المستوى التعليمي يغذيها التضليل الاعلامي الخطير، وبالتالي لا يمكن تناول هذا الحس القلق خارح سيرورة الشك العالمي، لكن منسوب الريبة يتفاوت بين الدول حسب مستوى الوعي والديمقراطية والشفافية، وحسب ثقة المواطن في دولته ومؤسساته.

بالمغرب تزداد خطابات التوجس والارتياب تعمقا في وجدان المواطن المغربي؛ بسبب أزمة الثقة في السياسة بشكل عام التي تحولت للأسف إلى “سمسرة سياسية” وصراع من أجل المواقع البئيسة، وفقدان الحكومة الحالية لمصداقيتها بسبب قراراتها المرتبكة والمتسرعة والمتأرجحة بين مد وجزر ونشرها للمعلومة بإيقاع لايوازي مستوى التضليل الاعلامي المهيمن في مواقع التواصل الاجتماعي، وكلنا يتذكر على سبيل المثال لا الحصر، الاقبال الهستيري للمواطن المغربي على الاستهلاك رغم طمأنة المؤسسات الرسمية، خطابات كانت قد أكدت على أن المغرب يتوفر على ما يكفي من المواد الاستهلاكية الضرورية للمواطنين على الأقل لمدة أربعة أشهر، في حين أن المدة التي يتطلبها القضاء على فيروس كورونا غير محددة الزمن، مناخات من الترقب والخوف من المجهول تتعمق لدى المواطن المغربي بسبب “الحكرة” والفقر والبطالة واستغلال الظرفية الحالية بشكل “مافيوزي” بشع من طرف أصحاب المؤسسات الخاصة الصحية والتعليمية، بشكل عمق شكوكه اتجاه وطنه.

تعد الثقة احد ركائز النظام الديمقراطي؛ فالثقة لها قدرة هائلة على إقامة مجتمع صلد، وخلق الرخاء الاجتماعي تماما كمثل قدرتها على خلق الرخاء الاقتصادي كما جاء في كتاب “الثقة” لفرانسيس فوكوياما؛ “فإذا كانت المؤسسات المالية هي عضد الاقتصاد فإن الثقة هي روحه”، بغيابها نصير لقمة سائغة للمجهول ولسيل جارف من الاخبار المزيفة والمضللة، وأزمة الثقة اليوم ليست مغربية الهوية، بل هي معضلة كونية، تفاقمت بسبب سرعة تدفق المعلومات وسهولة تنقلها، وهي ليست وليدة اللحظة بل صارت أكثر تجذرا في مجتمعنا، ذلك أن المواطن المغربي يتفاجأ بيد حانية حامية تهتم بصحته، تلك اليد التي لطالما خذلته في أبسط أمور حياته، أليس الأمر مدعاة للتشكيك في التطعيم؟

قد يكون اللقاح فعالا لطرد الوباء اللعين، لكن المواطن المغربي يحلم بتطعيم أكثر نجاعة، يطرد كل الفيروسات التي تشوش على أمنه وأمانه الحياتين وعلى لقمة عيشه، بعض تلك الفيروسات التي تندس خلسة في تمثيلية مزيفة لأحلامه وتطلعاته ورغباته داخل قبة البرلمان بشكل متراكم ومزمن، لفيروسات تعوق كل مساءلة ومحاسبة للحكومة ولكل الهيئات الرسمية، المواطن المغربي يحلم ببناء عقد اجتماعي جديد بدولته أكثر شفافية وبمقاربة سياسية جديدة وبمشروع مجتمعي جديد يعيد للمغربي ثقته في أحزابه وفي ساساته وإعلامه وأطبائه وتعليمه…

المغربي يريد لقاحا آمنا وسليما لهذا الوطن!

زر الذهاب إلى الأعلى