الرأيسلايدر

التايب يكتب : قافلة المغرب تسير و… للجاهلين سلاما….

يونس التايب

نعتبر في المغرب أن اختلاف الرأي أمر طبيعي وضروري، وأن التمايز في وجهات النظر رحمة، و أن احترام تعدد زوايا النظر إلى المواقف والأحداث حكمة بما فيه من إغناء حقيقي وتكامل وتجسيد لقناعات ديمقراطية. وبالموازاة، نستهجن من يتعصب لرأيه، ومن يفضل منطق “إعطاء الدروس” والاستعلاء على وجهات النظر الأخرى، والتسرع في إصدار الأحكام عوض قبول نقاش الآراء بأدب وتقدير للمقامات.

والاستهجان يزداد قوة عندما يحاول من لا ينتمون إلى وطننا ولا يعرفون شيئا عن واقعه وتحدياته وإكراهاته، إعطاءنا “الدروس” في ما يجب وما لا يجب، وفي ما هو صائب وما هو خاطئ، دون اعتبار لمبدأ النسبية في الآراء و ذاتية وجهات النظر، ودون استحضار قاعدة الخصوصية التي تستوجب قراءة الأحداث في سياقاتها وربطها بالمعطيات الموضوعية المتوفرة بشأنها.

أقول هذا الكلام وفي ذهني ما شاهدناه، منذ يوم العاشر من شهر دجنبر، من خرجات لعدد من السياسيين والإعلاميين العرب فيها تحامل مجاني وانحياز ضد بلادنا، و تعاطي مع قضايا وطننا بكثير من الجهل والظلم، بشكل ساءنا وخيب ظننا في كثير ممن كنا نتوسم فيهم الخير والاستقامة. وقد كان ممكنا أن أمضي في طريقي و أقول كما قال محمود درويش “ماذا فعلت بأولٰئك الذين خيّبوا ظنك؟ لاشيء، اعتبرتهم وكأنهم لم يكونوا … ومَضيت في طريقي”، لكنني آثرت أن أعود إلى التذكير ببعض ما كان يجب أن يظل راسخا في ذاكرة السياسيين والإعلاميين العرب، وأطرح مع التذكير تساؤلات مشروعة ومنطقية، لعل التفكير في أجوبتها يمنع من استمعوا إلى ترهات وصراخ بعض “الإعلاميين والسياسيين” العرب من السقوط في خلط المفاهيم والتخبط في الأحكام بخصوص قضايانا.

والبداية، ربما، هي تذكير هؤلاء العرب “الأشاوس” بالدور التاريخي الذي لعبه المغرب في دعم حركات التحرر من الاستعمار، وما بذله المغفور له السلطان محمد الخامس طيب الله ثراه، في إطار حركة عدم الانحياز إلى جانب الزعماء جواهر لال نهرو و نكروما وغيرهم. و ليس لأحد الحق في أن يظن أنه يمكن إعطاء دروس للمغرب في دعم حركات التحرر ومقاومة الاستعمار، لأن أهل المغرب الذين أبدعوا ثورة الملك والشعب ضد الاستعمار، وقبل ذلك أبدعوا ملحمة “أنوال”، وملحمة “الهري”، وملحمة “بوغافر”، وملحمة “الماء الحلو” ببوفكران، وملحمة “آيت عبد الله”، وملحمة “سيدي إفني”، وملحمة “آيت بها”، وملحمة “آيت بعمران”، وملحمة “تيزي”، وملحمة “بوهدلي”، وملحمة “إيسلي”، وملحمة “أبي الجعد و واد زم” وغيرها الكثير، هم من يحق لهم إعطاء الدروس لسياسيي وإعلاميي العرب في كيف يقاوم الاستعمار وليس العكس.

وثاني تذكير هو ما يشهد به التاريخ من أن المغرب احتضن قيادة جيش التحرير الجزائري، أو ما يسمى مجموعة وجدة التي خرج منها من نكروا الجميل وحاربوا بلادنا فيما بعد، ومدها بالدعم والسند في معركة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. فعلنا ذلك عن قناعة ونحن واثقون أن القيادة الجديدة “الشقيقة” ستعتبر أن شعوب المغرب الكبير جزء من ملحمة المليون شهيد، حيث امتزج الدم بالدم وارتبط المصير لنعيش “خاوة خاوة” بصدق وأمان. لكن للأسف، ذلك لم يحدث وفرضت علينا سنوات من الحرب الدعائية التحريضية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحرب عسكرية بالوكالة عن طريق جبهة الانفصال ومرتزقته، المدعومين أيضا خلال السبعينات والثمانينات، من “الشقيقة” ليبيا، التي كان حاكمها يمول بالسلاح والمال قتل أبناء قواتنا المسلحة.

أليس من حقنا أن نتسائل لماذا لم نر يوما السياسيين والإعلاميين العرب “الأشاوس”، الذين ينتقدوننا اليوم بجهل وتنطع، ينطقون بكلمة تنديد وتضامن مع الشعب المغربي ومع الدولة المغربية؟؟ ألا يعلمون أن المغرب قد تجاوز عن الظلم في حقه، وعفا وسامح ومد يده للبناء والوحدة والتنمية، إيمانًا منه بالانتماء المشترك و وفاء “للقضية”؟

ثالث تذكير هو الحقيقة التاريخية التي يغار منها ويتناساها الإعلاميون والسياسيون العرب، وهي أن المغرب بذل الغالي والنفيس من أجل توحيد العرب ورص صفوفهم، وجمع الزعماء المتخاصمين في مؤتمرات ناجحة بفاس والدار البيضاء والرباط، ونجح في جعل العرب المتصارعين، والمشتتين بين الخطابات الغوغائية والتحريض الإعلامي على بعضهم البعض، دائما يخرجون بقرارات تحفظ ماء وجوههم. أليس من حقنا أن نتسائل، لماذا لا نسمع قول الحق من العرب “الأشاوس” بأن من حقنا كذلك أن نحمي وطننا ونقوي موقفنا وندافع عن قضيتنا الوطنية ضد ما نتعرض له من تضييق على حقوقنا، ورهن لإمكانياتنا في معركة استنزاف ظالمة؟

رابع تذكير لهؤلاء السياسيين والإعلاميين العرب هو استحضار مشاركة جيشنا في الجولان إلى جانب جبهة الصمود، وتعرضنا لتخاذل بئيس من الرئيس الأسد الذي سحب الغطاء الجوي، وكادت تهلك الكتيبة المغربية لولا الرئيس المرحوم صدام حسين الذي أمر سلاحه الجوي بتعويض الانسحاب السوري وتقديم الدعم. أليس عيبا أن لا نسمع من هؤلاء الإعلاميون العرب الثناء والمدح لأننا تجاوزنا عن التخاذل ونسينا الخيانات والمؤامرات، وسامحنا ومددنا أيدينا لبناء المستقبل، تعزيزا لوحدة الصف و وفاء للقضية الأهم؟

لماذا يغض هؤلاء الطرف عن حقيقة أن المغرب ظل إلى جانب الإخوة الفلسطينيين في كل المناسبات، وحتى عندما حدثت الإساءة الكبيرة التي تورطت فيها منظمة التحرير الفلسطينية في اجتماع مجلسها الوطني في العاصمة الجزائر، غضب ملك المغرب وغضب أبناء المغرب، ثم ما لبثنا أن هدأنا وسامحنا وتجاوزنا وطوينا الصفحة، وقلنا هي زلة عابرة وعفى الله عما سلف؟؟ وما سر إصرار بعض الإعلاميين العرب على تغييب حقيقة أن المملكة المغربية استمرت في تقديم الدعم السياسي والمالي للقضية الفلسطينية عبر لجنة القدس وعبر بيت مال القدس، سواء في عهد جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، أو منذ أول يوم اعتلى فيه جلالة الملك محمد السادس عرش المغرب، وإلى اليوم لم نبع الفلسطينيين ولا ساومنا بهم أبدًا؟

عجيب كيف يمكن لمن تعمدوا تجاهل مواقف المغرب الملتزم بقضايا الأمة العربية والإسلامية، على مدى عشرات السنين، بل قرون منذ أيام صلاح الدين الأيوبي وباب المغاربة، أن يهبوا اليوم بلا حياء لانتقاد جهودنا لطي ملف الصحراء المغربية عبر تشجيع الاعتراف بالسيادة المغربية على كامل التراب الوطني، والتعبير عن الابتهاج بآخر اعتراف سجله الرئيس الأمريكي. ويحق لنا أن نتسائل بأي منطق يتحدث هؤلاء السياسيون والإعلاميون العرب الذين لم يروا في موضوع الاعتراف الأمريكي، زاوية معالجة أخرى غير تضخيم مسألة تزامنه مع استئناف التواصل السياسي والديبلوماسي مع دولة إسرائيل، وتحميل ذلك أكثر مما يحتمل، دون الإشارة إلى السياقات والحيثيات ومحاولة فهم المبررات والاستماع إلى الشرح الرسمي المغربي المقدم بشأنه؟

ألا يعرف هؤلاء الإعلاميون والسياسيون العرب، قدر المغرب ومجد تاريخه، و حجم ترابه عشية دخول الاستعمار الغاشم، ويعلمون تفاصيل التقسيم الجائر الذي انتزع منا أراضينا؟؟ فهل يريدون منا أن نترك المؤامرات مستمرة كما كانت منذ خمسين سنة، حتى تنال منا و تنتزع صحرائنا من مغربها؟؟ ولماذا لم نر أبدًا هؤلاء الإعلاميين العرب في برامج خاصة تفضح عصابة الانفصال وداعميها وتقول لهم “اتقوا الله في المغرب وكفوا أيديكم عن محاولة النيل من ترابه الوطني الخالص”؟؟ ولماذا لا يدافع هؤلاء الإعلاميون والسياسيون عن حقنا في إنهاء التضييق الذي يستهدفنا و يستنزف إمكانات هائلة كان ممكنا أن تذهب لمزيد من التنمية والازدهار و بناء الإنسان، ولا يترافعون إلى جانبنا للمطالبة بإزالة الاستعمار من سبتة ومليلية المحتلتين ؟

على أية حال، الأسئلة كثيرة ولن أنتظر إجابات، كما لن يقف الشعب المغربي كثيرا عند صراخ بعض “المؤثرين الإعلاميين” وبعض المثقفين والسياسيين العرب “الأشاوس”. فقضيتنا الوطنية هي معركتنا الخالصة، ونحن أقدر بإدارتها بالقيادة الحكيمة وبغيرة أبناء المغرب وجهودهم، كما هي قضية فلسطين قضيتنا، أيضا، ولا نحتاج لمن يعطينا دروسا بشأنها.

من الآن فصاعدا، المطلوب هو أن نقوي إيماننا بأن منطلق صناعة مستقبل المغرب هو الوقوف المنضبط في صف وطنية فاعلة، نجعلها إطارا لتعزيز البناء المؤسساتي وتحديث أداء منظومة تدبير الشأن العام، وتحرير الطاقات عبر اعتماد الكفاءة والاستحقاق أولا، وتشجيع شباب المغرب على اقتحام عوالم المعرفة والإبداع والبحث العلمي، وتطوير هندسة أنماط جديدة للإدماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والدفاع عن المنتوج المغربي والثقافة المغربية، ودعم الرأسمال الوطني الملتزم بروح المسؤولية الاجتماعية والمنخرط في ملحمة الإقلاع الشامل لإنجاح النموذج التنموي الجديد ببلادنا.

يجب أن نشكر هذه الظروف الدقيقة التي نمر منها، لأنها أتاحت فرصة اكتشاف حقيقة ما في قلوب الكثيرين في الداخل والخارج. كما أتاحت فرصة الدعوة إلى تعزيز التوعية بما يحاك ضد بلادنا، والاستمرار في مسيرتنا بكثير من الحكمة والروح الوطنية، والثقة الراسخة في مؤسسات دولتنا، مع الانتباه جيدا إلى أن واقعنا الذي من المؤكد فيه أشياء علينا أن نصححها، هو نفسه الواقع الذي يحمل أشياء جميلة ومكتسبات كثيرة تحاربنا عدة جهات بسببها. لذا، يجب أن نبقى صامدين ومتشبثين بعزة وطننا، رافضين لكل إساءة كيفما كان نوعها وكيفما كان من منا استهدفته الإساءات، وكيفما كانت هوية المسيئين من سياسيين وإعلاميين، حتى يظهر الحق وتنتصر إرادة الأمة المغربية على كل من في قلوبهم مرض من المتربصين.

زر الذهاب إلى الأعلى