هل تحشر الدبلوماسية المغربية إسبانيا في الزاوية للاعتراف بمغربية الصحراء؟
الدار / تحليل
لا يمكن أن تتنصل الجارة الإسبانية من مسؤولياتها التاريخية باعتباره السلطة الاستعمارية التي خلفت وراءها النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية. كما لا يمكنها أن تنكر مسؤولياتها في استدامة هذا النزاع واستمراره بعد أكثر من 45 عاما من اصطناعه. لا يمكنها أن تنكر كل هذا خصوصا أنها تقر بأنها عندما اتخذت قرار الانسحاب من الصحراء فعلت ذلك باتفاق مع المغرب وموريتانيا تدل عليه اتفاقية مدريد الشهيرة. لماذا نسقت إسبانيا مع المغرب من أجل انسحابها إذا كانت ستعود فيما بعد لتدافع عن أطروحة الانفصال؟ هذا السؤال سيظل يطارد العقلية الاستعمارية الإسبانية وممثليها في الجارة الإيبيرية التي لا تزال تنظر إلى المغرب باعتباره عدوا تاريخيا ولم تنس أن طارق بن زياد وجيوش المغاربة وأمراءهم الذين تعاقبوا على حكم الأندلس.
لكن اليوم تغيرت الكثير من المعطيات في العلاقات المغربية الإسبانية. لم يعد بإمكان مدريد أن تفرض إملاءاتها كما كان يحدث في الماضي بشكل أو بآخر. إسبانيا تدرك اليوم أنها تتعامل مع بلد يمثل قوة إقليمية وقارية وازنة، وتربطها به مصالح اقتصادية وسياسية وجيواستراتيجية مصيرية. فالمقاولات الإسبانية في المغرب، تستثمر المليارات، وتصدر إلى أوربا بفضل كفاءة اليد العاملة والمهندسين المغاربة. كما أن المغرب يمثل شريكا اقتصاديا كبيرا للإسبان، وزبونا تجاريا مهما. إضافة إلى ذلك فإن الجالية المغربية في إسبانيا هي الأولى تقريبا بين الجاليات الأجنبية. وقد أصبح لهذه الجالية كلمتها المؤثرة في الاستحقاقات الانتخابية المحلية والوطنية. وإضافة إلى هذين المعطيين، فإن المغرب يمثل البوابة الجنوبية لإسبانيا بما تحمله من مخاطر وإكراهات ضاغطة ومحرجة لمدريد أمام شركائها الأوربيين. لقد أوفى المغرب مع إسبانيا بكل التزاماته على مستوى ضبط الهجرة السرية وصد جحافل المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، وقد استفادت مدريد استفادة كبيرة من هذا المجهود المغربي أمنيا واقتصاديا.
لكن مقابل كل هذه المشتركات الإيجابية، لا تزال العقلية الاستعمارية المتغلغلة في النخب الإسبانية الحزبية والحاكمة تضغط باتجاه محاولة تقزيم أدوار المغرب، وإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء. إن أكبر دليل على استمرار هذه العقلية هو اعتراف الإسبان بتدخلهم لدى الفريق الملتف حول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من أجل إقناعه بإلغاء المرسوم الرئاسي الذي أصدره ترامب ويعترف فيه بمغربية الصحراء. لقد أقروا بهذه المحاولات علانية في تحد صارخ لشعور المغاربة واختيارهم ووحدتهم. هذا يعني أننا بلغنا مرحلة ينبغي أن تتغير فيها لغتنا الدبلوماسية تجاه الجار الإسباني. صحيح أن إسبانيا قوة اقتصادية أوربية عظيمة وعضو في حلف الناتو، وتتفوق على المغرب اقتصاديا وعسكريا، لكنها تظل على الرغم من ذلك بلدا هشا من الناحية السياسية. فالخلافات الداخلية وتفتت الإسبان وعقلية الانفصال السائدة في أوساطهم لا تسمح لهم بالمناورة لمدة طويلة.
لذلك لم يعد هناك مجال لتأجيل المصارحة الدبلوماسية التي ينبغي التعاطي بها مع الإسبان. يجب أن تتغير لغة التعامل مع هذا البلد من مراعاة العلاقات والمصالح بشكل تقليدي، إلى إدانة السلوكات المستفزة لمشاعر المغرب والمغاربة، واتخاذ إجراءات احتجاجية ولم لا عقابية تجاه كل القرارات الموغلة في الكراهية والابتزاز تجاه قضيتنا الوطنية ومصالحنا العليا. وفي هذا السياق حان الوقت أن يتم فتح ملف المدينيتين المحتلتين سبتة ومليلية للمطالبة بهما بشكل رسمي، ووضع ملفهما لدى اللجنة الرابعة للأمم المتحدة من أجل المطالبة بتصفية الاستعمار فيهما. هذا قرار لم يعد يقبل التأجيل في مواجهة بلد محتل يصر على تقسيم المغرب وتفتيت أراضيه الوطنية.