فن وثقافة

محمد بنعبد السلام: رحيل “مهندس” الإعلام الإذاعي المغربي 

سعيد الإمام*  

قبل أيام قليلة، (يوم الأربعاء 20 فبراير 2019)، فقدت الساحة الإعلامية المغربية إعلاميا كبيرا كُنَّا نلقبه ب "القايد". إنه فعلاً قائد من طينة الكبار المحترمين، ولاعلاقة لهذا اللقب المستحق بمصطلح "القياد" لِي عْلَى بَالْكُوم…

هو إعلامي محنك كبير، وأستاذ لأجيال في مؤسسة التلفزة والإذاعة الوطنية يوم كانت تسمى (إ.ت.م/RTM)، والذي قال عنه الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، إنه تمنى أن يكون ضيفا على برنامجه "سمر" الذي كان يهتم بتوثيق صيرورة الحركة السياسية في المغرب منذ مرحلة الإستقلال وقبلها بقليل…

محمد بنعبد السلام الإعلامي الذي يتشابه إسمه مع الفنان الملحن بنعبد السلام، هو واحد من أبرز مؤسسي العمل التلفزيوني والإذاعي بالمغرب منذ بداية ستينيات القرن الماضي.

أرسله الراحل الدكتور المهدي المنجرة، الذي كان مديراً عاماً للإذاعة الوطنية آنذاك، إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التخصص في مجال الإعلام السمعي – البصري في بداية الستينيات، وعاد إلى بلاده محملاً بأفكار حديثة ورائدة ومبدعة، وعزيمة كبيرة من أجل خدمة أهداف الإعلام الوطني، وتوجيه وتكوين جيل من الإعلاميين يندمج، بهدوء وصدق، في مواجهة التحديات والرهانات التي كانت تواجه بلادنا غداة الحصول على الإستقلال الوطني، والإنخراط الفعلي للشباب في المحافظة على المكتسبات الوطنية.

عاد الراحل محمد بنعبد السلام من أمريكا، وحمل على عاتقه تكوين جيل من الإذاعيين والمنشطين، في وقت كانت فيه مؤسسة الإذاعة تعاني من بلبلة وتذبذب سياسيين من حيث الخط التحريري، وشح وفقر بل وتهميش على مستوى الإمكانيات المادية والمعنوية، وفي وقت أيضا كانت فيه حرية التعبير والإعلام محاطة بسياج سميك من حديد بسبب ظروف تلك المرحلة…

 من مِنَّا لا يتذكر "قطار التنمية"، "قافلة التنمية"، "قبل الامتحان"، "ليالي رمضان"، "حقيبة الأسبوع"، "الأحد لكم"، "180 دقيقة"، "دكان الناس"، "الضوء الأخضر"… وغيرها من البرامج الكثيرة والمثيرة التي كان مهندسها الراحل المبدع محمد بنعبد السلام.

أجيال وأجيال.. فنانون كثر.. وفنانات عديدات.. كان له الفضل الكبير في التعريف بهم من خلال مسابقات إذاعية حقيقية شكلاً ومضموناً من قيمة "مسابقة المدن" على سبيل المثال لا الحصر، وأجيال من الإعلاميين استفادوا وتعلموا في مدرسة هذا الإعلامي الصامت، وتألقوا بفضل هذا الرائد الذي كان يشتغل دون بهرجة.

لقد كان، عن جدارة واستحقاق مهنيين، مهندساً كبيراً يجتهد في ابتكار التصورات والأفكار وإنتاج المعاني النبيلة، ورسم  خريطة الإنتاج، والعمل على هندسة البرامج، المباشرة وغير المباشرة، رغم قلة الإمكانيات.

رحمة الله على هذا الرجل الإعلامي الوطني الكبير والمبدع، وأحر التعازي وأصدق المواساة لأسرته الصغيرة ولأهله، ولكل عائلته الإذاعية والإعلامية الكبيرة.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

* إعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى