أخبار الدارسلايدر

لم يعد هناك صقور في حزب العدالة والتنمية

الدار / افتتاحية

المناورة الدائرة هذه الأيام داخل حزب العدالة والتنمية، بشكل منظم ومنسق، أصبحت مشهدا مكرورا ومكشوفا منذ بداية الولاية الحكومية الحالية برئاسة سعد الدين العثماني. إعلان بعض القياديين استقالتهم من الحزب، بسبب التطبيع الذي قادته الحكومة مع إسرائيل، لعبة قديمة يتقنها الإسلاميون كلما اتخذوا قرارات لا يريدون تحمل مسؤولياتها التاريخية. إنها محاولة يائسة لبناء وهم بأن الحزب الذي يخوض تجربته الثانية على رأس الحكومة لا يزال يحتفظ بمواقفه المبدئية التي كان يعلنها في سنوات الاصطفاف في المعارضة، وكان من أبرزها طبعا الصدح بشعار “خيبر خيبر يا يهود”.

هذا الشعار أصبح جزء من الماضي حتى داخل صفوف حزب العدالة والتنمية. واستقالة عبد العزيز العماري عمدة الدار البيضاء من الأمانة العامة للحزب، أو تجميد النائب البرلماني المقرئ الإدريسي أبو زيد لعضويته في الحزب، مجرد مناورات وتوزيع للأدوار داخل الحزب، الذي يريد “اللبن” و”فلوس اللبن” في الوقت ذاته. يريد أن يتخذ قرارات مصيرية دون أن يتحمل تبعاتها على مستوى شعبيته أو يقدم الحساب بخصوصها للناخبين، خصوصا أننا دخلنا سنة انتخابية ستكون ساخنة لا محالة. وأكبر ما يحرص حزب العدالة والتنمية، من خلال إعلامه المباشر وغير المباشر، ترويجه هذه الأيام، ذلك الاصطلاح الصحفي الذي يتحدث عن صقور في مقابل الحمائم داخل هذا الحزب.

لم يعد هناك صقور داخل الحزب، منذ أن قبل سعد الدين العثماني دون تردد خلافة عبد الإله بنكيران بعد إعفائه من مسؤولية تشكيل الحكومة، ومنذ أن قبل المصطفى الرميد مسؤولية وزارة حقوق الإنسان منتقلا إليها من وزارة العدل، وهو الذي كان في الماضي أكبر من يرفعون الشعار السابق الذي ذكرناه. لم يعد هناك صقور منذ أن أصبحت آمنة ماء العينين تثير النقاش داخل الحزب في قضية كانت تمثل في الماضي جزء من هوية الحزب السياسية، وهي مسألة الحجاب. ونذكر هنا جميعا كيف أثار برلمانيو الحزب ضجة كبيرة في الماضي حول لباس صحفية من القناة الثانية كانت بصدد أداء عملها داخل قبة البرلمان.

الحديث عن الصقور المنتفضين اليوم ضد توجه الحكومة نحو استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل مجرد دعاية انتخابية سابقة لأوانها. إنها محاولة لنفخ الروح في جسد مرجعية سياسية تقادمت وصارت من الماضي، ومن الصعب على الحزب بعد صدمة الارتطام بالتدبير والسلطة وممارستها، بإكراهاتها وإملاءاتها، أن يستعيدها ويدافع عنها بل حتى أن يعلنها مجددا. وأكبر دليل على أنه لم يعد هناك صقور في الحزب، هو أن الأمر اقتصر إلى حد الساعة على “صقرين” فقط، العماري والإدريسي. أين بقية الصقور إذاً؟ إذا كان هناك فعلا تشبث للحزب بمرجعيته وفكره الذي رفعه في كل حملاته الانتخابية السابقة.

إن على قيادة حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسها الدكتور سعد الدين العثماني، الإعلان عن مؤتمر استثنائي للحزب، يعيد بناءه على أسس جديدة، مواكبة للتطورات الحاصلة إقليميا ودوليا، ومسايرة أيضا لكل القرارات التي اتخذتها الحكومة وتقبل على اتخاذها في المستقبل القريب. بل إنه ليس من العيب أن يمتلك الحزب جرأة أكبر ليغير اسمه، ويعدل بعض الأسس المتجاوزة في مرجعيته وأوراقه السياسية والتنظيمية. ومن بين أهم هذه التعديلات القطع مع هذه الثنائية الكاريكاتورية بين القياديين الذين ينتمون إلى صفوف الصقور، والآخرين الذين يصنفون ضمن فريق الحمائم. فهذا التوزيع ليس سوى بقايا من تركة ازدواجية الخطاب التي اشتهر بها الحزب في تجربته السياسية القصيرة، وحان الوقت لمعالجتها علاجا جذريا ونهائيا.

زر الذهاب إلى الأعلى