في عز أزمة “كورونا”…تواصل الملك محمد السادس يطمئن المغاربة وينسيهم ضعف التواصل الحكومي
الدار / المحجوب داسع
في وقت تعرضت فيه السياسة التواصلية المنتهجة من قبل الحكومة منذ اللحظة الأولى لاندلاع أزمة كورونا، لانتقادات واسعة، بسبب غياب خارطة طريق واضحة المعالم بشأن إدارة الأزمة الصحية العالمية، تتلاءم مع صعوبات المرحلة العصيبة التي يمر منها المغرب على المستوى الصحي، نجح الملك محمد السادس بشكل ملفت ومثير للإعجاب في تقعيد قواعد تواصل سياسي ناجح، لم يكن في الحقيقة وليد اليوم، بل جاء نتيجة مسار طويل ابتدأ منذ أن اعتلى جلالة الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، وظل متواصلا طيلة السنوات الأخيرة، وفي مختلف المحطات المفصلية المهمة التي شهدها المغرب.
وكان واضحا خلال أزمة جائحة فيروس “كورونا” المستجد “كوفييد 19″، كيف حرصت المؤسسة الملكية بكل رمزيتها، وشرعيتها التاريخية والدينية المؤصلة في دستور 2011، على تكثيف حضورها في وجدان الشعب المغربي انسجاما مع تحديات مرحلة عصيبة على المستوى الصحي يجتازها المغرب على غرار باقي بلدان العالم. اذ نستشف من خلال قراءة حضور هذه المؤسسة خلال أزمة جائحة فيروس كورونا أن تواصل الملك محمد السادس تلخصه ثنائيات، منها التواصل البروتوكولي المعتمد على التقاليد مقابل أسلوب التعبير الإشاري والرمزي بالصورة خارج متطلبات البروتوكولات الرسمية.
وحرص الملك محمد السادس في الـ11 مارس من سنة 2020 أي قبل أيام فقط من اعلان حالة الطوارئ الصحية على أخذ مسافة الأمان خلال حفل تعيين الأعضاء الأربعة الجدد المعينين بالمحكمة الدستورية، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، باعثا بذلك رسالة الى كل المواطنين المغاربة بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة، والتزام التباعد الجسدي لاحتواء انتشار فيروس كورونا.
الحضور التواصلي للملك محمد السادس سيتجسد أيضا، أثناء استقبال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، والوزيرين السعيد أمزازي وعثمان الفردوس يوم الثلاثاء 7 أبريل 2020، حيث ظهر الملك محمد السادس خلال الاستقبال واضعا الكمامة الواقية في رسالة واضحة إلى المواطنين المغاربة بضرورة ارتداء الكمامات الواقية، للحد من انتشار الفيروس التاجي.
وخلال ليلة القدر المباركة ليوم الأربعاء 26 رمضان 1441هـ، الموافق 20 ماي 2020، التي صادفت إقرار حالة الطوارئ الصحية، حرص الملك محمد السادس أمير المؤمنين، على الاحتفال بهذه الليلة في احترام تام لإجراءات السلامة الصحية، حيث ظهر مرتديا الكمامة الواقية، ومقتصرا على الاحتفال بليلة القدر بالقصر الملكي رفقة ولي عهد الأمير مولاي الحسن، و الأمير مولاي رشيد، وبعض المقربين.
ونزلت المؤسسة الملكية بكل ثقلها الرمزي، أيضا خلال احتفال الشعب المغربي بعيد الفطر وعيد الأضحى، حيث حرص الملك محمد السادس على التقيد بجميع الإجراءات الوقائية التي تم إقرارها لاحتواء تفشي فيروس كورونا”، كما قام في خطوة ذات رمزية كبيرة وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة، بإلغاء احتفالات الذكرى الحادية والعشرين لتوليه العرش.
واستمرت المؤسسة الملكية في النزول بكل ثقلها الرمزي، وشرعيتها التاريخية والدينية في عز تفشي فيروس “كورونا” في المغرب، حيث أبقى الملك محمد السادس على الاستراتيجية التواصلية للخطب التي يلقيها بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية، لكنه أضفى عليها هذه المرة وبحكم السياق، قيمة مضافة بمناسبة ثورة الملك والشعب لسنة 2020، اذ حول مناسبة الخطاب إلى حدث جديد ومقاربة جديدة تعطي نقلة نوعية للكيفية التي يجب أن يتعامل معها المواطنون المغاربة مع تفشي كورونا.
وكان لافتا في خطاب الذكرى الـ67 لـ”ثورة الملك والشعب”، كيف دعا الجالس على العرش، جميع المغاربة قاطبة إلى استحضار روح المواطنة التي سادت آنذاك ومهدت لاستقلال المغرب، من أجل مواجهة معركة آنية، تتمثل في وباء كورونا، وهي “المعركة التي لم تكسب بعد”، حسب الملك محمد السادس، الذي أكد في خطابه أنه “بدون سلوك وطني مثالي ومسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، ولا رفع تحدي محاربة هذا الوباء”.
ولم ينجح الملك محمد السادس من خلال هذا الخطاب في تحسيس المواطنين بخطورة الوضع الوبائي، فحسب، بل نجح بشكل ملفت في تقديم درس مهم في التواصل، عبر عرض رؤية تربط بين القيم التي أطرت ملاحم المغرب سابقا ومن بينها ثورة الملك والشعب، والملحمة التي يجب النجاح فيها في هذه اللحظة، وهي المعركة ضد وباء كورونا المستجد”.
هذا النجاح التواصلي للمؤسسة الملكية تجسد، أمس الخميس، بشكل أقوى، حينما نزل الملك محمد السادس، مجددا بكل ثقله الرمزي الراسخ في وجدان المغاربة، وهو يشمر عن ذراعه الأيمن لتلقي أول جرعة له من لقاح “سينوفارم” الصيني الصنع المضاد لفيروس كورونا، ليضع بذلك حدا لكل الشكوك والاشاعات المغرضة، التي حاولت تخويف المغاربة من عملية اللقاح، ومن خطورة و أعراض اللقاح الصيني.
وينطوي اختيار جلالة الملك محمد السادس للقاح “سينوفارم” على رسالة قوية عنوانها الأبرز: “الثقة” في مؤسسات الدولة، و أنه ليس هناك سبب للخوف من الآثار المترتبة عن اللقاح الصيني، لأنه أعطى نتائج إيجابية بخصوص المتطوعين المغاربة، على خلفية التجارب السريرية التي قامت بها الحكومة على مجموعة من المتطوعين”، كما أنه تأكيد من الجالس على العرش أن لا فرق بين اللقاحات المعتمدة في المملكة”.
و بقدر ما تؤكد خطوة الملك محمد السادس حرصه شخصيا على بعث الآمال في نفوس المواطنين المغاربة بقرب انجلاء هذه الغمة، بقدر ما يفند ويدحض ظهوره أمس الخميس، كل المخاوف الناجمة عن انتشار نظريات المؤامرة والترويج لها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي حاولت التشكيك في عملية التلقيح الوطنية، والقول بأن التطعيم له آثار جانبية وخيمة على الصحة.
كما أن جلوس جلالة الملك محمد السادس أثناء تلقيه جرعة اللقاح من الطبيب، على كرسي وأمامه مكتب، فوقه ميكروفونان، حيث اعتاد مخاطبة شعبه العزيز، يعني أن الأمر ليس مجرد صورة، بل خطاب ملكي في صورة بدلالات رمزية قوية، مفادها أن جلالة الملك مقتنع بجدوى اللقاح الحالي، وأنه لا مجال للتشكيك أولا بشأن وجود فيروس كورونا، و نظرية المؤامرة التي رافقت ظهور الفيروس التاجي.
التواصل السياسي الفعال، الذي أبانت عنه المؤسسة الملكية في عز أزمة فيروس “كورونا” المستجد، أنسى المغاربة ضعف التواصل لدى الحكومة، ووزارة الصحة، التي تعرضت لانتقادات واسعة منذ ظهور أولى حالات الإصابة بالفيروس في المغرب، حيث عاب المواطنون المغاربة على حكومة العثماني، ووزارة الصحة افتقارهما لاستراتيجية تواصل سياسي فعالة تتسم بالسرعة والفعالية والتواصل المستمر مع المواطنين، دحضا لكل الشائعات والأخبار الزائفة التي لا زامت المغاربة منذ شهر مارس المنصرم.