قرار وقف التهريب المعيشي يسائل القطاع الخاص الوطني
الدار / افتتاحية
الوقفة الاحتجاجية غير المرخصة التي شهدتها مدينة الفنيدق أمس الجمعة حدث ينبغي التوقف عنده من جهتين. أولا من جهة كونه خرقا واستهتارا بحالة الطوارئ الصحية كما ذكر بلاغ لعمالة المضيق-الفنيدق. وثانيا وهذا هو الأهم من جهة كونه إشارة إنذار وناقوس خطر تجاه الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الهشة التي بلغتها المدينة وساكنتها إلى درجة الخروج في مظاهرات للمطالبة بإعادة فتح معبر سبتة المحتلة وإنعاش حركة التهريب المعيشي. صحيح أن هذا التجمع يحدث في عز جائحة فيروس كورونا المستجد، ويزيد من مخاطر تناقل العدوى، لكن هناك جانبا آخر أكثر حساسية بالنسبة للساكنة يتعلق بهذا الشلل الذي أصاب الحياة الاقتصادية منذ أن قرر المغرب إغلاق معابر التهريب.
لقد اختارت السلطات العمومية اتخاذ قرار الإغلاق نظرا لما يمثله هذا التهريب من ضرر على الاقتصاد الوطني، وخصوصا فيما يتعلق بمنافسة المنتجات الاستهلاكية المحلية. وربما سيؤدي هذا القرار إلى تجنيب البلاد خسائر بالمليارات التي تضيع بسبب هذا القطاع غير المهيكل، لكن بالمقابل فإن التساؤل عن البديل الاقتصادي اللائق للساكنة الذي يضمن لهم مورد عيش كريم، أمر مشروع وينبغي البحث عن جواب مقنع له. وفي سياق البحث عن هذا الجواب، لا بد من مساءلة القطاع الخاص والرأسمال الوطني، الذي يعتبر من بين أكبر المستفيدين من قرار الإغلاق.
فالحد من تهريب هذه المنتجات الاستهلاكية القادمة من الجارة الإسبانية، يعني بالدرجة الأولى، زيادة الإقبال على المنتجات المحلية أو تلك المستوردة بطرق قانونية من الخارج، وهذا لن يكون إلا في صالح المقاولات الوطنية المتخصصة في هذه المنتجات. فما هي مسؤوليتها إذا في هذه الظرفية الحساسة التي تمر بها المناطق الشمالية بعد وقف التهريب المعيشي؟ هناك ملاحظة عامة يمكن الإشارة إليها هنا، وهي أن هذا القطاع الخاص الوطني يفتقد للكثير من الجرأة فيما يتعلق باتخاذ قرارات الاستثمار وتوسيع أنشطته لخلق الثروة وفرص الشغل وتعزيز تنافسيته بشكل يخدم مصالح جميع الأطراف عاملين وأرباب عمل ومستهلكين.
إذا توقف سكان المناطق الشمالية على سبيل المثال عن تهريب نوع من أنواع الشكلاطة الشعبية التي يروج استهلاكها كثيرا في المغرب، فهذا يعني أن هناك حاجة استهلاكية ينبغي ملأ فراغها والاستجابة لها، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بمبادرات شجاعة من مقاولات وطنية ورأسمال محلي يقوم بتخصيص استثمارات مالية مقدرة في مشاريع صناعية بالمناطق المتضررة من توقيف التهريب المعيشي، لتحقيق هدفين رئيسيين: خلق فرص شغل لكل الساكنة التي ستفقد مورد عيشها، وخلق ثروات وطنية إضافية تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي الوطني. أما إذا كان البديل عن هذه المنتجات هو تشجيع المزيد من شركات الاستيراد لجلب منتجات تركية أو صينية وإغراق الأسواق المحلية بها، فإن الضرر الذي تتحدث عنه الحكومة لاحِقٌ لا محالة، على الأقل من خلال استنزاف الاحتياطي الوطني من العملات الصعبة.
على هذا الأساس ننتظر من القطاع الخاص الوطني أن يعلن عن مبادرات استثمارية هيكلية في المناطق المتضررة من توقيف التهريب المعيشي، ويُقبل على تعزيز الصناعة الوطنية في هذه المناطق بشكل يحدث ثورة اقتصادية ويستحدث فرص شغل كافية لسد الخصاص المهول الذي تعيشه هذه المناطق، ولخدمة الأهداف الماكرواقتصادية التي كانت وراء قرار وقف هذا التهريب. ولن يتأتى هذا الأمر بمبادرات معزولة لبعض المقاولات والشركات، ولكن عبر استراتيجية حكومية مدروسة ومعززة بالتشريعات والتمويل والإجراءات الإدارية الكفيلة بتنفيذها في آجال سريعة وبنتائج مهيكلة.