أخبار الدارسلايدر

البيجيدي يواصل ازدواجية الخطاب في أفق زيارة الرباح لإسرائيل

الدار / افتتاحية

يواصل وزراء وقياديو حزب العدالة والتنمية ترويج المقولة القانونية التي تتحدث عن محدودية تدخلهم في صناعة القرار المتعلق بالعلاقات الخارجية للمملكة. ويتم بث وتعزيز هذا الطرح في مختلف النقاشات والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي في محاولة للتنصل من مسؤولية الحزب عن قيادة الحكومة المغربية التي استأنفت العلاقات مع إسرائيل. إنها محاولة مكشوفة لإلقاء الكرة في ملعب الفاعل السياسي الرئيسي، والحفاظ في الوقت ذاته على شعرة معاوية مع قواعد الحزب والمتعاطفين معه. والحال أن كل هذه النقاشات ليست سوى مناورات للاستعداد للمعركة الانتخابية المقبلة، والتي يتوقع الحزب أن يواجه فيها أمام الناخبين سؤال التطبيع مع إسرائيل، وسيتعين عليه تقديم إجابات مقنعة.

وقد زاد ترويج هذا الطرح في الساعات الأخيرة بعد أن أعلن الوزير عزيز رباح احتمال قيامه بزيارة لإسرائيل بصفته الوزارية وليس بصفته الحزبية. ويبدو هذا التمييز الكاريكاتوري بين الصفة الوزارية والصفة الحزبية، جزء من هذه المناورات اليائسة للتنصل من المسؤولية التاريخية، لحزب العدالة والتنمية في رئاسة أول حكومة مغربية تقرر استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب. ومن هنا تتأكد مجددا تلك السمة المميزة لخطاب الإسلام السياسي، ألا وهي ازدواجيته، والقدرة على اللعب على الحبلين، بين التحالف مع مؤسسات الدولة وخدمتها، وبين ادعاء القرب من الشارع ومن الاختيارات الشعبية أو “الشعبوية”. صحيح أن تدبير العلاقات الخارجية للمملكة يعتبر بحكم الدستور والعرف السياسي شأنا يكاد يكون مخصصا للمؤسسة الملكية، لكن هذه المؤسسة لا تحكم وحدها بالنظر إلى أنها تمارس هذا الحكم دستوريا مع الأحزاب السياسية، وخصوصا مع الحزب الذي تصدر الانتخابات، وهو في الحكومة الحالية حزب العدالة والتنمية.

ويبدو موقف الإسلاميين إلى حدود الساعة من مسألة استئناف العلاقات مع إسرائيل مفعما بالاستغلال السياسي والتوظيف الإيديولوجي، سواء في تدبير الشأن الداخلي للحزب، وصراعات قياداته وكفاءاته الصاعدة مع الجيل الأول، أو فيما يتعلق أيضا بعلاقاته مع باقي مكونات المشهد السياسي والفاعلين فيه. لكن ما يزيد هذا الموقف شعبوية هو محاولة الإنكار بمبررات واهية، ودفوعات ضعيفة، علما أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني تصدر مشهد التوقيع على اتفاقية استئناف العلاقات بين البلدين، في لقطة دخلت التاريخ. لكن بعض المغيبين من أنصار الحزب لا يزالون يروجون أمام بعضهم البعض، وأمام مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي بأن هذا التوقيع لم يكن إلا بروتوكوليا وأن موقف الحزب من إسرائيل لم ولن يتغير.

لكن تعليق الوزير عزيز الرباح يعتبر في حد ذاته إبداعا غير مسبوق في ازدواجية الخطاب. فحديثه عن الصفة الوزارية في مقابل الصفة الحزبية، لا يمكن أن يصدر إلا عن إطار تشرّب كما ينبغي أصول الازدواجية الخطابية وهو يتدرج في مؤسسات الحزب وهياكله إلى أن أصبح من ألمع وزرائه وأكثرهم تأهيلا لخلافة سعد الدين العثماني على رأس الحكومة. وعلى الرغم من أن لا أحد ينكر كفاءة الرجل وتميزه في أدائه الوزاري، إلا أن هذه الكفاءة تحتاج إلى شجاعة سياسية حقيقية وتاريخية للخروج من منطق الدعاية والدعوة الذي لا يزال مهيمنا على مواقف القيادات وهم يتناولون قضايا من قبيل قضية التطبيع أو العلاقات مع الغرب، أو تلك التي تطال عموما ملفات تدخل في نطاق مجالات لطالما استغلها الحزب لاستقطاب تعاطف الجماهير.

لقد خرجت القضية الفلسطينية منذ زمن من نطاق الاستغلال السياسي، والشجاعة السياسية التي تنقص عزيز رباح وغيره من قيادات الحزب هي التي يجب أن تسمي الأشياء بمسمياتها وأن تتخذ قرارا شجاعا بتبني الخيارات الاستراتيجية الكبرى للبلاد بعيدا عن حلقات الجدل السياسوي الفارغ الذي يثيره عنصران أو ثلاثة للتغرير بما تبقى من المتعاطفين.

زر الذهاب إلى الأعلى