توقيع رواية “رسائل من امرأة مختفية” للأديب محمد برادة
غصت جنبات قاعة العروض التابعة للمديرية الجهوية للثقافة بالقنيطرة أمس الخميس، بعشاق الكلمة من محبي المتن، الذين يمموا وجوههم شطرها لحضور توقيع رواية "رسائل من امرأة مختفية" للكاتب محمد برادة.
وتعد الرواية، التي تقع في مئتي صفحة من الحجم الصغير، والصادرة عن دار الفنك، دعوة صريحة لانعتاق العنصر النسوي من " المكبلات المجتمعية"، وللتحلل من "الصور التنميطية" الممعنة في غمط المرأة حقوقها ومكتسباتها، وهضمها حرياتها.
وتحكي الرواية قصة هيمان السبتي الشاب الذي يدرس الاقتصاد فشغفته جاذبية عبد العزيز الصحافية الشابة ذات النزعة الحري اتية، التي تحمل هم تكسير قيود الهيمنة الذكورية المجحفة، والتي ود لو امتد الوصل بها، بيد أن فجاءة الاختفاء صده عنها، ولعل الاختفاء رمزي للإيحاء باستحالة لقيا الشخصين.
ففي قراءته للمكتوب، أكد الباحث والمترجم، الأستاذ مصطفى النحال أن الذين جايلوا الأديب محمد برادة شددوا على كون الأخير كان له قصب السبق في إدخال المناهج الأدبية الحديثة في التعليم الجامعي، "فعد بحق أستاذا محدثا في الدرس الأدبي"، مشيرا في ذات السياق إلى أن الكاتب محمد برادة سلك أيضا مسار الناقد المجدد في الأدوات النقدية والمصطلحات، فصار المشتغلون في الحقل الأكاديمي المغربي "يستلهمون عدته المحدثة في الرواية كما في القصة، كما توسلوا بمعجمه لفك ما استشكل عليهم".
وعن الترجمة، أبرز الأستاذ النحال أن الأديب محمد برادة كان من الأوائل الذين ترجموا أعمال مياخاييل باختين، فأضاءت هذه الترجمة عتمة كتابات عصية، كما قرب كتابات هيغل وجورج لوكاس من حقل التداول، من خلال العودة إلى التراث الكلاسيكي، مضيفا أن كاتب "لعبة النسيان" و"امرأة النسيان" و"مثل صيف لن يتكرر"، اتخذ سبيل الإبداع الفني والأدبي فكان من مجددي الكتابة السردية، فأسس مكتوبه "لعبة النسيان" لغة مخالفة تقعد لشخصيات " إشكالية" تتصارع داخل الرواية، كما في المجتمع.
كما اعتبر أن رواياته من قبيل"حيوات متجاورة" و"موت مختلف" بقدر ما تشكل استمرارا للنفس الروائي، تتخذ من ذات المرأة نصا تكسر من خلالها قيود القيم الذكورية عبر وعي متحرر، معتبرا، في هذا الصدد، أن رسائل رواية الحال تكشف أن الشخصية الأساسية سابقة لأوانها، وناطقة بلسان النساء اللاتي يجمعن بين الحلم والواقع، فكن أمثلة مجسمة عن إيما بوفاري الحسناء اللعوب التي غيرت قبلة ووجهة الأدب.
وفي نفس السياق، قال الباحث والمترجم إن الأديب محمد برادة الذي يتوسل بتيمات القراءة والكتابة من خلال الواقع المغربي، يكتب بمفهوم التخييل بغية تصوير هاته العلائق التي تنتظم في الواقع، محاورة ونفاذا، مشددا كون الكاتب لايصادر حق القارئ في التخيل والاستيهام، كما لايقدم حلولا جاهزة، بل يحث ويحض فقط على التفكير.
من جانبه، أبرز الأستاذ المحاضر بجامعة آسفي، إدريس الخضراوي، أنه "يعسر استيعاب مكتوب الأستاذ محمد برادة، لكبر الكاتب"، لأنه كان من المسهمين في انبجاس جذوة الأدب المغربي، من خلال انبنائه على رؤية تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الطارئة على المجتمع المغربي أولا، وتبعات "المثاقفة" ثانيا، مشيرا إلى أن الكاتب محمد برادة فتح من خلال رواياته آفاقا رحبة تبنت سوسيولوجيا الأدب دونما ارتهان لها، مع مسحة سيميائية جلية، بالإضافة إلى ايلائه أهمية بالغة للدراسات الثقافية، خصوصا إبان الفترة مابعد الكولونيالية.
وعلى صعيد آخر، اعتبر الأستاذ الخضراوي اهتمامات الكاتب واسعة، من خلال كتاباته المغايرة والتي تضمنتها روايات "لعبة النسيان"، و"الضوء الهارب" و"امرأة النسيان"، وكذا "قريبا من الصمت وبعيدا عن السكات"، مبرزا أنها تستند على رؤية أدبية حديثة تلتقي مع الروايات المغربية في متحها من الواقع المغربي، ولرهانها على شكل الرواية، فتجعله "يجترح أفقا رحبا في الكتابة".
وبالنظر لسياق المكتوب، أكد الأستاذ أن الأديب محمد برادة كان من الأوائل الذين أوحوا إلى المرأة بهذه الرؤية المضادة التواقة إلى الانعتاق مما يجثم على الصدور، فجعلها، وهي التي ناصرت نفسها كما يقول، امرأة جسورة تؤمن بالحرية والمساواة، وتتعاطى مع قيمة الحرية.
المصدر: الدار – وم ع