كريمة موال.. مغربية نجحت في فرض إسمها بالإعلام الإيطالي
بعد 30 عاما من مغادرتها لمدينة الدار البيضاء، وهي في سن التاسعة من عمرها، لتلتحق بوالديها في إطار التجمع العائلي بإيطاليا، وحوالي 15 عاما من الدراسة والكد والاجتهاد داخل أكبر المؤسسات الإعلامية، تجد كريمة موال الإيطالية الجنسية المغربية الأصل نفسها اليوم في مقدمة المشهد الإعلامي الإيطالي، بعد انضمامها إلى أكبر المجموعات الإعلامية، حيث جعلت الترافع عن قضايا المهاجرين شعارا لعملها في مهنة المتاعب. وبتنشيطها لبرنامج أسبوعي يناقش السياسة في إيطاليا يبثه تلفزيون المجموعة الإعلامية “ميديا سيت”، تنضم المغربية كريمة إلى قائمة أسماء لامعة في الإعلام الإيطالي وبريق الشهرة، لتتألق كأول إمرأة مغربية وأجنبية تعمل في حقل الإعلام، وخصيصا في برامج تتناول قضايا سياسية يكون النقاش بشأنها حكر على أبناء هذا البلد الأوروبي.
وتقر كريمة أنها قاومت ولم تستسلم للتعليقات العنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي استهدفتها بسبب تنشيطها لهذا البرنامج حول السياسة في إيطاليا، التي لا يتحدث بشأنها سوى السياسيون والإعلاميون الإيطاليون، إلا أنها استمرت بثقة وتباث، سلاحها في ذلك طموح جارف إلى الارتقاء والعزيمة القوية، التي اجترحت بها المستحيل.
وإن كانت هذه الإعلامية المغربية تجسد المثال الناجح للاندماج في المجتمع الإيطالي وقطفت ثمار النجاح الذي تجسد أساسا بحصولها على شهادة الدكتوراه بامتياز من جامعة روما في شعبة اللغات والثقافات الشرقية، فإنها تعترف على الرغم من ذلك بأنها عانت هي الأخرى من سياط التمييز، التي كانت وقود تقدمها ومحفزا قويا لتصبح إعلامية ناجحة.
كريمة موال التي طالما رفضت أن يتم حصرها في قوقعة أبناء المهاجر أو العربي الذي لا يجدر به التطلع إلى أكثر من امتهان أبسط المهن وأدناها أو تضييق أفقها بالتزامات قد يتم إملاؤها من قبل البعض، لم تتردد في بداية مشوارها المهني في تلبية دعوة صحيفة “لاريبوبليكا” لها بكتابة مقالات و إنجاز روبورتاجات حول قضية الهجرة، نظرا لإلمامها بهذا الموضوع باعتبارها من الجيل الثاني من المهاجرين، ولتوفرها على مستوى تعليمي عال يؤهلها لإتقان الكتابة باللغة الإيطالية في مواضيع شائكة.
وقد حظيت مقالاتها التي كنت تنشرها على صفحات يومية “لاريبوبليكا” بإعجاب المسؤولين في القناة الإخبارية “دجي 1″، التابعة للمجموعة الإعلامية “راي”، الذين اقترحوا عليها الاشتغال معهم بتقديم برنامج أسبوعي حول سياسة الهجرة، والذي ساهمت من خلاله كريمة موال في تغيير نظرة المجتمع الإيطالي للمهاجرين، ثم بعد ذلك تولت تحرير مقالات افتتاحية حول موضوع “الهجرة والاقتصاد” في صحيفة “إيل سولي 24 أوري” المتخصصة في الشؤون الاقتصادية.
وأطلقت أول مدونة “زماغاريا” عملت من خلالها على تسليط الضوء، ومن زوايا متعددة، على مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالهجرة، وحظيت هذه المدونة بمتابعة كبيرة، بعد ذلك قامت بتنشيط برنامج اسمه “حديث كريمة موال” الذي أبرزت من خلاله مفهوم الاندماج، وكانت تبثه قناة “راي 1” ثم عادت للعمل في صحيفة “لاستامبا”. المسيرة المهنية التي راكمت خلالها كريمة تجربة غير يسيرة في ميدان العمل الصحافي، أهلتها لتفوز بالجائزة الأورومتوسطية برسم 2012، والتي تمنحها الجمعية الإيطالية “أسافريكا/ميديتيرانيو” المتخصصة في مجال المقاولات، والتي لها نشاط اقتصادي بـ 70 بلدا بحوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا والشرق الأوسط.
ويأتي نجاح هذه الإعلامية المغربية، وهي متزوجة وأم لطفلين، أيضا بفضل ثقافة وهوية مزدوجة، فهي ما تزال محتفظة بروح “تامغرابيت في دواخلها ومتشبثة كثيرا بأصولها المغربية التي تفتخر بها ولا تغيب عنها خصوصا في بيتها، وبنشأتها في إيطاليا، البلد الذي درست به وقضت به مجمل مراحل حياتها.
في فراشيلي، بالقرب من تورينو، داخل أسرة مكونة من ثلاث أطفال، استطاعت كريمة أن تؤسس لنفسها مسارا دراسيا متفوقا قبل أن تلج كبرى جامعات إيطاليا، مستنيرة بنصائح والدتها التي جسدت بالنسبة لها مثالا حيا على قدرة المرأة على مجابهة الصعاب مهما كانت وعلى ركوب صهوة التعليم العالي، لتصبح بديلا آخر عن “المرأة العاملة البسيطة”.
وبفضل تميزها “بالتزام أكثر وانخراط أقوى في العمل الصحفي، فضلا عن جرعة زائدة في التضحية من أجل مهنتها بالتزاماتها الاجتماعية والأسرية”، تمكنت كريمة من تحقيق سمعة مهنية متألقة في إيطاليا. وبخصوص مقومات تألقها في الإعلام الإيطالي، قالت كريمة، إن “إصراري على التفوق والتميز وعلى تغيير نظرة من شككوا يوما في قدرتي على خوض مسيرة مهنية ناجحة، كان هو وقود “صعودي مجد الإعلام، وأغدق علي بالنجاح في ما بعد”.
“بذلت مجهودا كبير وتسلحت بأقصى قدر من الشجاعة لمواجهة كل العراقيل التي كانت تعترض طريقي نحو النجاح، وأعطيت درسا لمن كانوا يعتبرونني ضعيفة”، تقول كريمة في بوح بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، مضيفة أن النجاح هو “أحسن جائزة حصلت عليها” في مشوارها المهني. “فالنجاح لا يقاس فقط بما تم تحقيقه من نتائج، وإنما يقاس بما تخطاه الإنسان من صعاب وما اجتازه من حواجز ليطور ذاته”، تؤكد الإعلامية المغربية بنبرة ملؤها الحماس والاعتزاز.
المصدر: الدار– وم ع