
ياسين المصلوحي
كاتب مقالات رأي
احتضن رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، يوم الخميس 18 دجنبر الجاري، ندوة علمية من تنظيم نادي الإعلام والدراسات السياسية، المكون من طلبة ماستر التمييز للصحافة والتواصل السياسي، بتنسيق مع مركز التمييز، بمناسبة حفل استقبال الفوج الثالث لمسار التمييز. وقد حملت هذه الندوة العلمية عنوان: «الصحافة المغربية برؤية أكاديمية متعددة التخصصات»، والتي شارك فيها نخبة من الأساتذة والباحثين المتميزين من مجالات متعددة، تنوعت بين العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا، والشق الاقتصادي، والجانب القانوني، وتقاطعها مع التجربة المهنية والعلوم الحية في تفاعلها واستفادتها من الجانب الإعلامي.

وقد تطرق كل الأساتذة المتدخلين إلى تشخيص دقيق للواقع الإعلامي المغربي، الذي يمر بفترة مفصلية في تاريخ البناء والتطور، مع الإشارة إلى الزاوية التي ينظر منها المواطن المغربي إلى الإعلام، وفق دراسات ميدانية اجتماعية منجزة على عينات من المواطنين، تخص تصنيف مصادر الأخبار الموثوقة، وتوزيع وسائل الإعلام حسب استعمالاتها، والفئات العمرية للمستعملين، وغيرها من المؤشرات التي تمكن من فهم دقيق لتفاعلات الجمهور وانتظاراته.
كما تم التعريج على دور الأنثروبولوجيا في فهم السلوك الإعلامي وحسن التعامل معه، لتفادي أضراره والاستفادة أكثر من مزاياه، واستثمار الدراسات السابقة والتوصيات المهنية من أجل رفع جودة المنتوج الإعلامي وتحسين أداء الصحفيين. إضافة إلى الإشارة إلى النقص الكبير في مجال الإعلام العلمي، حيث يكاد يكون منعدماً، إذ لا تكاد توجد وسائل إعلامية أو منابر صحفية تتخصص في الجانب العلمي، بل إن العلم نفسه يقوم على مبدأ اللايقين واللاقطعية، في حين أن الإعلام يعالج مسألة الخبر الحقيقي والمتيقن منه قطعاً، وهو ما يجعل المجالين العلمي والإعلامي في مسارات تتباعد أكثر مما تتقارب.
وفي الختام، تم التطرق إلى جدلية مصداقية العمل الصحفي، وإكراهات التبعية، وتحقيق السبق الصحفي ولو على حساب التحقق من صحة الخبر واحترام أخلاقيات المهنة، في ظل التحول الكبير في بنية العمل الصحفي، والاقتراب أكثر من العمل المقاولاتي منه إلى رسالة نبيلة لا تسعى إلى تحقيق الربح المادي. كما أن بناء عادات الجمهور عبر ترويض اختياراته الإعلامية، ومحاولة بناء الجمهور قبل بناء المؤسسات الصحفية أو المواد الإعلامية، يُعد السبيل الوحيد لتخليق المشهد الإعلامي، إلى جانب التركيز على التكوين الصحيح والأكاديمي للإعلاميين، عوض التطفل على السلطة الرابعة، والتأكيد على ضرورة تقنين العمل الصحفي وتأطيره بنصوص تنظم المهنة والممارسة دون تضييق ولا انتهاك لحرية الصحافة، كما ينص على ذلك الدستور المغربي والمواثيق الدولية.
وفي نهاية الندوة، أجمع الحاضرون على أهمية هذا النشاط وتفرده، خصوصاً خلال المرحلة الحالية في ظل اللغط الذي تعرفه الساحة الإعلامية الوطنية، كما يشكل فرصة لخلق نقاش عمومي يرقى بالوضع الصحفي، وينقله إلى مرتبة تليق بصاحبة الجلالة، باعتبارها مرآة لديمقراطية المجتمعات ومؤشراً على مدى وعي المواطنين.






