أخبار الدارسلايدر

تسطيح المنحنى..استراتيجية المغرب الملهمة للعالم

الدار / افتتاحية

مع الانخفاض الملموس في أعداد الإصابات، وانفراج أزمة المستشفيات وعودة الأطقم الطبية للعمل بوتيرة عادية خارج الضغط، يتأكد اليوم بما لا يدع مجالا للشك أن الخطة التي أطلقها المغرب لمواجهة جائحة فيروس كورونا، تؤتي ثمارها، وتمهد لقرب نهاية الجائحة، مع التقدم في حملة التلقيح الوطنية. وهذه المؤشرات الإيجابية هي التي تؤكد أننا لا نزال في حاجة ماسة إلى الاستمرار في احترام الإجراءات الاحترازية، بل وتمديد العمل بها للمزيد من الوقت إلى أن ننتصر تماما على الفيروس اللعين الذي قض مضجع العالم. قبل أيام قليلة كشفت وسائل إعلام أجنبية أن المغرب أعلم السلطات الإسبانية أنه سينظم في الصيف المقبل عملية مرحبا التي تخصص سنويا لاستقبال مئات الآلاف من أبناء الجالية المقيمين بالديار الأوربية.

هذا القرار الهام جدا، يؤكد أن التوقعات الرسمية تسير في اتجاه محاصرة الوباء تماما في أفق الصيف المقبل، في الوقت الذي تعيش فيه اليوم دول أوربية عديدة من بينها فرنسا وألمانيا على إيقاع الحجر الصحي وتشديد قيود الإغلاق بسبب التنامي الهائل في الإصابات بفيروس كورونا المستجد. بالأمس فقط سجلت فرنسا أكثر من 35 ألف إصابة جديدة بالفيروس. وسجلت ألمانيا يوم السبت الماضي أكثر من 14 ألف إصابة جديدة. هذه أرقام استطاع المغرب أن يبقى بمنأى عنها منذ بداية الجائحة، وها هو اليوم ينجح في تسطيح المنحنى تماما بعد أن لم تتجاوز الإصابات المسجلة يوم السبت الماضي 246 حالة جديدة.

كم كان حلم تسطيح المنحنى يراودنا جميعا في نونبر الماضي عندما تجاوز عدد الإصابات اليومية 6 آلاف حالة جديدة. لكن هذا النجاح كانت له طبعا كلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة، لقد تعطلت الكثير من القطاعات تماما، وفقد الآلاف من المغاربة البسطاء موارد عيشهم. وعلى الرغم من ذلك فإن ثمار الحجر والإجراءات الاحترازية تنعكس اليوم بشكل إيجابي على الواقع الاقتصادي. كما أن الخيار التدريجي في عودة فتح بعض الأنشطة كالحمامات الشعبية والأندية الرياضية، يأتي في توقيت مناسب جدا بعد تجاوزنا لفترة الشتاء وانتقالنا إلى فصل الربيع، حيث تقل مخاطر الإصابات الفيروسية بصفة عامة. هذا الاختيار ليست اعتباطيا، إنه جزء من الاستراتيجية المدروسة التي وضعتها اللجنة المختصة ويتم تنفيذها بشكل دقيق ومخطط له.

تسطيح المنحنى يتزامن مع اختراق كبير تم تحقيقه على مستوى حملة التلقيح، بعد أن دخل المغرب نادي العشرة الأوائل في العالم من حيث إمداد اللقاحات، حيث تلقى ما يقرب من 12٪ من المغاربة الجرعة الأولى من لقاح فيروس “كورونا”. كما أن خطة التلقيح تُدبر أيضا بمنطق علمي ومتجرد لم يعبأ للكثير من المزايدات السياسية التي خضعت لها دول أخرى في الجوار الأوربي. لقد رأينا كيف عبرت وزارة الصحة عن موقف متوازن تجاه ما راج بشأن مضاعفات لقاح أسترازينيكيا وتسببه في تجلط الدم، وكيف أحرجت الوكالة الأوروبية للأدوية العديد من الدول الأوربية التي قررت توقيف تلقيح سكانها بهذا اللقاح. لقد كان السلطات المغربية واعية بأن كل ما يروجه الأوربيون لا يخرج عن نطاق الابتزاز تجاه البريطانيين، الذين فضلوا الانسحاب من الاتحاد الأوربي، وكذا تجاه مختبرات أسترازينيكيا بعد أن تحول خطابهم من الرفض إلى المطالبة بالأولوية في الحصول على الجرعات.

إن استمرار الإجراءات الاحترازية مع الانفتاح التدريجي، خطة ناجحة لا يمكن تغييرها، مثل الفريق الناجح. وسيمنح ذلك المغرب فرصا هائلة لاسترجاع حيوية النمو الاقتصادي والحركية السياحية، وربما نشهد في الصيف المقبل عودة شبه كاملة للحياة الطبيعية، مع توافد مئات الآلاف من أبناء الجالية لزيارة الوطن، وضخ المزيد من الدماء في شرايين الاقتصاد الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى