دبلوماسية الفوسفاط تؤتي ثمارها في نيجيريا
الدار / افتتاحية
المشروع الضخم الذي أعلن عنه محمد بهاري، رئيس جمهورية نيجيريا، بشراكة مع المغرب ليس مجرد استثمار اقتصادي وصناعي كبير، إنه يمثل أيضًا ضربة معلم للدبلوماسية الاقتصادية المغربية التي تمكنت أخيرًا من اختراق هذا العملاق الإفريقي الواعد. نيجيريا أكبر البلدان الإفريقية سكانا، تؤوي 200 مليون نسمة، وتعتبر أضخم سوق إفريقية، وتعد واحدة من الأسواق المبشّرة في العقد القادم. هذا المشروع الاستراتيجي الذي وقع عليه المغرب ونيجيريا لتطوير منصة للمواد الكيماوية الأساسية بقيمة 1.3 مليار دولار، أي أكثر من 11 مليار درهم، سيمثل لا محالة نواة للنشاط الاقتصادي الوطني في أكبر بلدان غرب إفريقيا.
لقد مثلت نيجيريا دائما بلدا لغزا بالنسبة للدبلوماسية المغربية، ولطالما شكلت عائقا أمام تعزيز المواقف الوطنية في منظمة الوحدة الإفريقية، وأحيانا تحالفت مع الجزائر للتشويش على القضية الوطنية ومصالح المغرب في إفريقيا. لكن دبلوماسية الفوسفاط تعزز اليوم شراكة واعدة بين الرباط ولاغوس، يمكنها أن تحطم كل الحواجز النفسية التاريخية التي حالت دون تعميق العلاقات. نيجيريا بلد أنغلوسكسوني متعدد الإثنيات والطوائف، لكنه يشترك مع المغرب أيضا في كثير من المقومات الإفريقية والإسلامية. لقد كان من المفروض أن تتطور الشراكة بين البلدين منذ أمد بعيد، لكن غياب المصالح الاقتصادية المشتركة كان يؤجل هذا التطوير.
وما عجزت عن تحقيقه الدبلوماسية الروحية والسياسية يمكن اليوم وبكل فعالية أن تنجزه الدبلوماسية الاقتصادية. فنيجيريا ترغب في التموقع إفريقيا وإقليميا ضمن أهم البلدان المنتجة للأسمدة، التي ستمثل في المستقبل القريب الذهب الأسود في إفريقيا. هناك ثورة زراعية بدأت معالمها تظهر في القارة السمراء، وستحتاج البلدان الإفريقية إلى ملايين الأطنان من هذه الأسمدة بحكم الحاجة الماسة إلى الغذاء، في قارة تعرف نموا ديمغرافيا هائلا مقارنة بباقي مناطق العالم. هذا الطموح النيجيري يلتقي في الوقت نفسه مع الخبرة المغربية المكتسبة على مدى سنوات في المكتب الشريف للفوسفاط. إن هذا المشروع سيمثل نموذجا للشراكة الإفريقية جنوب-جنوب، وسيضم فيه البلدان ثرواتهما الطبيعية، الفوسفاط المغربي والغاز النيجيري لتقديم نموذج حي عن التعاون بين البلدان الإفريقية.
كيف يمكن أن ينعكس هذا المشروع على العلاقات بين البلدين؟ من الطبيعي أن استثمارا هائلا كهذا، سيتقاسم فيه الطرفان الموارد والخبرات، وهذا يعني فتح المجال أمام تدفق للرساميل ولاستثمارات المقاولات في الاتجاهين. هناك خبرة مغربية هائلة تكونت في السنوات العشر الماضية، في عدد من بلدان غرب إفريقيا، حيث الاستثمارات في مجالات الطاقة والاتصالات والأبناك شكلت شبكة قوية من التأثير الاقتصادي الإيجابي في المنطقة. هذه الشبكة تمثل منصة ستسهل على المغرب تطوير خدماته وقدراته داخل السوق النيجيرية. فمن جهة تمويل هذا المشروع مثلا، سيكون للأبناك المغربية دور أساسي في إنجاحه وتطويره.
إن أهمية هذا الاختراق تكمن في أن الرئيس النيجيري نفسه هو من أعلنه عبر صفحته على تويتر، وهو يفتخر به كإنجاز اقتصادي هائل. وليس هذا التفاعل الرسمي في نيجيريا وليد الفراغ، بل هو نتيجة تقارب بين البلدين، بدأه الملك محمد السادس عندما دشن زيارته الرسمية إلى هذا البلد في 2016. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ الأفق المشترك بين البلدين يقدم لإفريقيا وعودا كبيرة بالنماء والتطوير المشترك. ولن يكون مشروع منصة الأسمدة إلا غيضا من فيض هذه المشاريع الاستراتيجية بين البلدين بعد أن اتفق الرئيس النيجيري والملك محمد السادس على إنجاز مشروع أكثر أهمية واستراتيجية، سيغر وجه غرب إفريقيا، ويتعلق بخط الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يعد أكبر برنامج استثماري على المستوى القاري، سواء من حيث حجمه الاستثماري الذي قد يبلغ 20 مليار دولار، أو من حيث آثاره الاقتصادية متعددة المستويات بالنسبة إلى كل البلدان التي سيمر عبرها هذا الأنبوب.