هذه أهم مكتسبات المغرب بعد عام من جائحة فيروس كورونا المستجد
الدار/ افتتاحية
من المؤكد أن الخسائر الاقتصادية والتداعيات الاجتماعية لجائحة فيروس كورونا المستجد لا خلاف عليها، وعلى تأثيرها العميق في المجتمع المغربي. لقد تركت ندوبا قد لا تشفى لسنوات طوال، طالت أرزاق الناس واستقرارهم المادي والمهني، كما دمرت قطاعات اقتصادية بكاملها، وحولت مرافقها إلى أطلال، مثلما هو الحال بالنسبة للقطاع السياحي. لقد لخصت المندوبية السامية جانبا من هذه الخسائر عندما كشفت عن رقم مهول قالت فيه إن مستويات الفقر بالمغرب قد تضاعفت 7 مرات بسبب الجائحة وتداعيات الحجر الصحي. كما أن معدلات النمو الاقتصادي تراجعت بمستويات كبيرة مقارنة مع 2019.
لكن هذه الحصيلة السلبية لم تكن بذلك السوء الذي كان متوقعا. لقد كان جل المغاربة يعتقدون أن الأنظمة الصحية ستنهار وأن الدولة لن تتحمل تبعات ما سيحدث، بل ومن الناس من تصور سيناريوهات أسوأ بكثير. لكن ما حدث فاجأ ولا يزال يفاجئ الجميع مع التقدم المسجل في حملة التلقيح، والتحكم الذي تم في مستويات انتشار الفيروس بعد أن سجل المغرب لأول مرة منذ بداية الجائحة يوما دون وفيات. وعلى الرغم من المفاجأة التي مثلتها العودة إلى قرار الحجر الصحي الشامل بالداخلة بعد اكتشاف بؤرة من 49 إصابة بالفيروس المتحور، إلا أن المغرب استطاع الخروج في من عنق الزجاجة والتحكم في انتشار الجائحة بفضل الكثير من القرارات التي تم اتخاذها. لكن الأهم في ما اكتسبه المغرب ليس هو فقط محاصرة الوباء، والحد من انتشاره وإنما كل القرارات التي ساهمت الجائحة في إخراجها إلى حيز الوجود أو في التسريع أخيرا بظهورها.
من أهم هذه المكاسب مشروع “الحماية الاجتماعية” الذي تمت المصادقة عليه في فبراير الماضي في اجتماع المجلس الوزاري. هذا المشروع الطموح الذي يسعى إلى تعميم التغطية الصحية والتعويضات العائلية، وستكون له آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة، لاسيما في وقت التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية والطوارئ المختلفة. وتتعلق أهداف المشروع بـ”تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وذلك بتوسيع الاستفادة من هذا التأمين لتشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية، وفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا، حيث سيتمكن 22 مليون مستفيد إضافي من هذا التأمين الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء”، ثم “تعميم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024، وذلك من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات من الاستفادة، حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة أو من تعويضات جزافية”.
من أهم المكاسب التي سرّعت الجائحة أيضا بتحقيقها تفعيل مقتضيات القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الذي دخل حيز التنفيذ خلال السنة الماضية. فابتداء من هذا الأسبوع ستصبح الإدارات العمومية ملزمة بجرد وتصنيف وتوثيق جميع القرارات الإدارية التي تدخل في مجال اختصاصها وتصنيفها وتوثيقها وتدوينها ونشرها بالبوابة الوطنية للمساطر والإجراءات الإدارية، أو على البوابة الوطنية للإدارة. وستكون هذه البوابة عبارة عن واجهة معلوماتية موحدة ومتكاملة في خدمة المرتفق، ومتوفرة على جميع المعلومات والمعطيات المتعلقة بالمساطر والإجراءات الإدارية والمسارات الإدارية الموجهة للمرتفقين والمستثمرين والمقاولات.
وبالإضافة إلى الحماية الاجتماعية والإدارة، كان من أهم المكتسبات المسجلة في هذه الجائحة تعزيز المنظومة الصحية بالمزيد من الموارد البشرية والبنيات والتجهيزات. ورتقب أن تعرف المنظومة الصحية تطورا في السنوات المقبلة، بعد أن انتقل حجم أقسام الإنعاش وطاقتها الاستيعابية من 500 سرير قبل الجائحة، إلى حوالي 3 آلاف سرير متوفر حاليا، كما تم تعزيز هذه الأقسام بالمزيد من أجهزة التنفس. وعرف قانون المالية 2021 مجموعة من المؤشرات التي تدل على الانعكاسات الإيجابية للجائحة حيث تم رصد حوالي 8 مليارات درهم لإنجاز المراكز الاستشفائية الجامعية في مدن طنجة وأكادير، بالإضافة إلى المركز الاستشفائي الجامعي الجديد للرباط، وتجهيز المراكز الاستشفائية الجامعية لكل من وجدة ومراكش. وبخصوص الموارد البشرية لقطاع الصحة، تمت برمجة 5500 منصب مالي في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2021، مقابل 4000 منصب سنة 2020.
لكن أهم المكاسب التي تتجاوز الانعكاسات القطاعية، هي هذه الدينامية الدؤوبة التي يعرفها المغرب منذ بداية الجائحة، وتجند فيها الجميع شعبا وحكومة، من أجل التصدي للوباء. وهي الدينامية التي يمكن من خلال استثمارها في المستقبل فتح أوراش اجتماعية واقتصادية كبرى لتجاوز بعض المعضلات التي يعاني منها المغرب منذ عقود. ويرتقب أن تظهر ثمار هذه الدينامية أكثر بعد الانتهاء من حملة التلقيح الوطنية بنجاح، رغم التعثر الذي نعيشه بسبب صعوبة التزود بالكميات الكافية منه.