الدين والحياةسلايدر

إسلاميات.. المعضلة الإخوانية في أوربا: نموذج تطبيقي

بقلم: منتصر حمادة

بين أيدينا نموذج تطبيقي يُسلط الضوء على بعض القلاقل التي يتسبب فيها المشروع الإخواني للمسلمين في أوربا، باعتبار أن الإخوان لا يمثلون إلا أنفسهم، ولم تطلب منهم الجاليات المسلمة هناك أن تكون ناطقة باسمها، لولا أن هذا المطلب خارج دائرة تفكير العقل الإخواني، وبالتالي خارج دائرة عمل المشروع الإخواني، ولو كانوا على وعي به، ما كنا لنعاين هذه القلاقل، التي تتسبب في مشاكل لا حصر لها للمسلمين ولغير المسلمين، بما فيها معضلة تغذية ظاهرة الإسلاموفوبيا، أفي تغذية الأسباب الخاصة بالمسلمين، موازاة مع أسباب ظاهرة الإسلاموفوبيا، الخاصة بالغربيين (من قبيل النزعة العنصرية، النزعة الدينية المحافظة، تأثير الأزمات الاقتصادية.. إلخ).

يتعلق الأمر بملصق فعاليات “علمية” لأحد أنشطة “المجلس الأوربي للأئمة”، من خلال تنظيم “برنامج يومي لإحياء رمضان المبارك مع كوكبة من علماء وأئمة أوربا”، طيلة رمضان 2021. ونعاني في الملصق صور 17 داعية، من الرجال، ولا وجود لواعظة أو عالِمة من النساء، كما لو أننا إزاء نشاط دعوي يهم حقبة الجاهلية، لأنه ابتداءً من الحقبة النبوية، سوف ينخرط المصطفى، عليه أفضل الصلوات والسلام، في تكريم المرأة بشكل لا يُضاهى مقارنة مع مرحلة الجاهلية، أقله أنه تزوج من امرأة تمارس التجارة، وهي المرأة نفسها، السيدة خديجة رضي الله عنها، التي تعتبر أول من صدق نبوته، إضافة إلى انخراط النساء في رواية الحديث لاحقاً، وفي مقدمتهم السيدة عائشة، رضي الله عنها، والتي تلقب بأم المؤمنين، ومجموعة أخرى من المبادرات الغائبة كلياً، قراءة وتدبراً، في هذا الملصق، بما يتطلب التوقف عند أسباب هذه المعضلة الدينية المسيئة للمسلمين هناك، بشكل أو بآخر.

يجب التذكير بداية، أننا نتحدث عن مؤسسة دينية إيديولوجية، محسوبة على المرجعية الإخوانية، تأسست في 18 نوفمبر 2019، بالعاصمة الفرنسية باريس، تعرف نفسها بأنها “مؤسسة أوربية مستقلة متخصصة غير ربحية، تضم الأئمة والواعظات العاملين في الساحة الأوربية، ويعنى بشؤونهم”، وعرف اللقاء التأسيسي لهذا المشروع، كما نقرأ في تقرير صادر عن المؤسسة حضور “جمع من العلماء والأئمة والمرشدات، ومندوبي عدد من الروابط المحلية التي تضم عضويتها المئات من الأئمة، إضافة إلى مشاركة عدد من الضيوف وممثلي الهيئات الدعوية واتحادات المساجد في أكثر من 20 دولة أوربية”.

ونقرأ في التقرير نفسه، الإشارات التالية، والتي تتطلب الكثير من التدقيق، لأن الصمت عن دلالات وتبعات هذه المبادرات، يساهم في تغلغل هذا الخطاب الديني الإيديولوجي لدى أوساط الجاليات والأقليات المسلمة في أوربا وفي الغرب عموماً، على غرار الأخطاء التي ارتبكت ولا زالت ترتكب في العديد من الدول العربية، بخصوص التعامل مع هذا الخطاب الإيديولوجي:

ــ أشار التقرير الصادر عن المؤسسة أنه “تمت أعمال المؤتمر في أجواء من التفاعل الإيجابي، حيث تم إقرار القانون الأساسي للمجلس بإجماع الحاضرين، والذي قامت بإعداده لجنة من أصحاب الكفاءات والمتخصصين، حيث روعي فيه خصوصيات الواقع الأوربي، واحتياجات الأئمة، وما يعين على القيام بدورهم الإيجابي في خدمة المجتمع”.

ــ وأشار التقرير أيضاً أن “المجلس الأوروبي للأئمة”، يعتبر “مؤسسة متخصصة تهتم بشؤون الأئمة، وتعمل على تنسيق جهود روابطهم المحلية، سعياً إلى تطوير الأداء الدعوي وتجديد الخطاب الديني، مع تأصيل قيم المواطنة والاندماج الإيجابي، من أجل الإسهام في الارتقاء بالوجود المسلم وتعزيز دوره في خدمة المجتمعات الأوربية”.

ــ وأخيراً، نقرأ أيضاً أن المؤسسة ستعمل “كمؤسسة منفتحة على التعاون مع غيرها من الأشخاص والمؤسسات الرسمية والدينية فيما يحقق رسالتها وأهدافها، في إطار الفهم الوسطي المعتدل للإسلام ومراعاة قيم المواطنة”.

بالنسبة لأهداف المؤسسة، كما جاء في موقعها الرسمي، فنذكر منها: “العمل على ترشيد وعي المسلم الأوربي المعاصر، وحماية الشباب من خطر التطرف الفكري”، “تعميق المعرفة بتاريخ أوربا، واستيعاب حاضرها على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي”، “التواصل مع مختلف المرجعيات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات العلمية في أوربا وخارجها”.

واضح أن مجرد استحضار المرجعية الإخوانية للمؤسسة، على غرار ما نعاين مثلاً في ما يُصطلح عليه بـ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، يعفي المتلقي من الاشتغال على طبيعة هذا المشروع، لأنه ينهل من مرجعية دينية إيديولوجية لا تمثل إلا نفسها، وإن كانت تزعم أنها تريد تمثيل المسلمين، والحال أن المأزق مع المشروع الإخواني، يكمن بالدرجة الأولى في الهاجس السياسي، والذي يُخول توظيف كل ما هو صالح للتوظيف، من أجل تحقيق أهدافه، وفي مقدمة الأدوات الوظيفية، نجد الخطاب الديني. وبالرغم من هذا المعطى المفصلي، سوف نتركه جانباً، حتى نتطرق أو ندقق في طبيعة تلك الأرضية النظرية للمؤسسة المعنية، ومدى انسجام هذا الخطاب مع تعقيدات الواقع الأوربي، مادمت تستهدف المجال الثقافي الأوربي بالتحديد:

ــ في الاقتباس الأول من مضامين التقرير الإخباري أعلاه، نقرأ أن أجواء المؤتمر تمت في سياق مراعاة “خصوصيات الواقع الأوربي، واحتياجات الأئمة، وما يعين على القيام بدورهم الإيجابي في خدمة المجتمع”، والحال أن هذا الواقع الأوربي، لا يمكن أن يستوعب تنظيم لقاءات شبه يومية في عز شهر رمضان، ذات أفق وعظي وإرشادي، خاصة بالجالية المسلمة، مع تغييب كلي لحضور المرأة ضمن لائحة الأسماء المعنية بالوعظ، خاصة أن هذا السياق الأوربي ذهب بعيداً في الاشتغال على حقوق المرأة، ضمن انكباب أكبر على قضايا حقوق الإنسان، على الأقل في الشق الفلسفي.

ــ في الاقتباس الثاني من مضامين التقرير نفسه، نقرأ أن المؤسسة المعنية “تهتم بشؤون الأئمة، وتعمل على تنسيق جهود روابطهم المحلية، سعياً إلى تطوير الأداء الدعوي وتجديد الخطاب الديني، مع تأصيل قيم المواطنة والاندماج الإيجابي”، ولا ندري أي معالم في تجديد الخطاب الديني يمكن أن نراهن عليها مع عقلية فقهية ذكورية، تقصي المرأة باسم الدين، والدين براء من هذه العقلية الاختزالية، أما الزعم بتأصيل خطاب المواطنة، فإن لائحة الأسماء المعنية هنا، تنهل من مرجعية دينية يصعب عليها تغذية المشترك المجتمعي، وبالتالي يصعب عليها الاشتغال على تأصيل خطاب المواطنة. [الإخوان هنا في المغرب يمارسون الإقصاء ضد بعضهم البعض، فكيف نتوقع منهم الدفاع عن قيم المواطنة في مجتمعات غربية تضم أقلية مسلمة]

ــ أما في الاقتباس الأخير، فثمة حديث عن أن المؤسسة ستعمل “كمؤسسة منفتحة على التعاون مع غيرها من الأشخاص والمؤسسات الرسمية والدينية فيما يحقق رسالتها وأهدافها، في إطار الفهم الوسطي المعتدل للإسلام ومراعاة قيم المواطنة”، وهذه فقرة تحيل على معضلة متداولة سلفاً في الساحة العربية والإسلامية، وأصبحت اليوم متداولة في الساحة الأوربية، بعد تغلغل الخطاب الإخواني هناك، والحديث هنا عن معضلة الوسطية في الدين، لأنه شتان ما بين وسطية المسلمين ووسطية الإسلاميين، إلا إن تعاملنا مع أدبيات “الحاكمية” و”الجاهلية” و”المفاصلة الشعورية”، كونها تحيل على الوسطية، والحال أنها تغذي عقلية دينية استعلائية على أي سياق مجتمعي، سواء كان يهم المجتمعات العربية الإسلامية أو المجتمعات الغربية.

بقيت إشارة تهم ما جاء في أهداف المؤسسة، حيث الحديث عن “العمل على ترشيد وعي المسلم الأوربي المعاصر، وحماية الشباب من خطر التطرف الفكري”، “تعميق المعرفة بتاريخ أوربا، واستيعاب حاضرها على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي”، “التواصل مع مختلف المرجعيات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات العلمية في أوربا وخارجها”، وما أكثر التناقضات بين هذه الشعارات النظرية وتطبيقاتها على أرض الواقع، وإن كان هذا أمر متوقع عند متتبعي أداء المشروع الإخواني، محلياً وإقليمياً، لأنه لا يمكن تكريس إقصاء المرأة في مثل هذه الندوات المفتوحة، والزعم في آن، بأن أهل هذا الإقصاء مؤهلون بما سمي بـ”ترشيد وعي المسلم الأوربي المعاصر”، بل إن هؤلاء في حاجة إلى الانخراط في مراجعات حقيقية، لعلها تساعدهم على ترشيد خطابهم، وحينها، يمكن الانتقال إلى مرحلة ترشيد خطاب المسلمين، غير المعنيين أساساً بهذه المآزق النظرية والعملية للمشروع الإسلامي الحركي بشكل عام، والمشروع الإخواني بشكل خاص.

واضح أيضاً أن مثل هذه الممارسات لا تساهم في تغذية خطاب الإسلاموفوبيا وحسب، لأن أتباع هذه الإسلاموفوبيا قد يتوهمون أن هؤلاء ناطقون باسم مسلمي أوربا، والأمر خلاف ذلك؛ وإنما ممارسات تغذي نزعات دينية مضادة في الساحة الإسلامية، منها ما يصدر عن أسماء نسائية، من قبيل صدور كتاب حديث الإصدار للباحثة كهينة بهلول، بعنوان “إسلامي، حريتي” (ط 1، مارس 2021، 208 صفحة).

والمؤلفة للتذكير، هي أول امرأة إمام في فرنسا، وتحديداً في مسجد فاطمة بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث تؤم النساء المسلمات، ولا يمكن فصل خطابها المتأثر بالنزعة الصوفية، وخاصة أعمال ابن عربي، ومعه مبادرة إمامة الجامع، عن مجموعة أسباب قائمة هناك، تغذي هذه الردود المضادة للخطاب الإسلامي الحركي، وفي مقدمة هذه الأسباب، ما يصدر عن الإسلاميين هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى