أخبار الدار

خمسة هواجس مغربية من احتمال انفلات الحراك الجزائري

الدار/ تحليل: رشيد عفيف

الملك محمد السادس طار في زيارة خاصة يوم الإثنين الماضي إلى فرنسا أياما قليلة بعد انطلاق المظاهرات في الجزائر. في فرنسا يسود قلق وتوجس كبير في أوساط السلطات من تطورات الأحداث عند جيراننا. المغرب وفرنسا أكثر بلدين معنيين بما يجري في بلد المليون شهيد. الاعتبارات التاريخية والجغرافية لها وقعها المؤثر في علاقة هذين البلدين بالجزائر. من جهة فرنسا هناك جروح لم تندمل بعد بسبب الماضي الاستعماري الأليم. وهناك أيضا مخاوف أمنية متراكمة من تجارب التسعينيات. ومن جهة المغرب فالمخاوف أيضا متعددة ومعقدة ومشروعة. لا أحد يناقش مبدأ التضامن الطبيعي مع مطالب الشعب الجزائري المقهور والذي يعاني من حكم طغمة عسكرية متسلطة، لكن في حسابات الدول هناك اعتبارات تتجاوز الأماني والتطلعات. وفي هذا الإطار فإن الصمت المغربي الرسمي حول تطورات الأحداث في الجزائر ليس مجرد حياد موضوعي، بل هو مراقبة حذرة وتفكير استباقي في مآلات الأحداث. هذه المراقبة الحذرة تخترقها خمسة مخاوف رئيسية تشغل بال السلطات وتفرض عليها الاستعداد للاحتمالات الأسوأ التي قد تنتج عن انزلاق الأحداث في اتجاه سيناريو ليبي.

1- حدود منفلتة: أكثر من 1600 كلمتر من الحدود الصحراوية والجبلية التي تفصل بين البلدين. في حال دخلت الجزائر في منزلق أمني خطير ستصبح مراقبة هذه الحدود تحديا كبيرا بالنسبة للقوات المسلحة الملكية. هذه الحدود المغلقة مرشحة باستمرار لكل موجات الانفلات والمخالفات الأمنية من تهريب للبشر أو سلع أو مخدرات أو أسلحة. وتعتبر مسألة الحدود المغلقة بالمناسبة واحدة من نقاط الأزمة المزمنة في العلاقات المغربية الجزائرية منذ إغلاقها سنة 1994  عقب العملية الإرهابية التي استهدفت فندق أطلس أسني بمراكش.

2- شبح النازحين: تعتبر المعضلة الإنسانية إحدى أخطر الانعكاسات المحتملة لسيناريو تجدد الحرب الأهلية بالجزائر. في العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر عقب انقلاب الجيش على  نتائج الانتخابات التي فازت بها جبهة الانقاذ الإسلامية قتل حوالي 200 ألف شخص في مجازر بشعة، واختفى الآلاف، بينما نزح مئات الآلاف نحو أوربا. وفي ظل القيود التي تفرضها دول الاتحاد الأوربي اليوم على المهاجرين يعتبر السيناريو الأسود مدمرا لدول المنطقة وعلى رأسها المغرب، الذي شكل في بداية الألفية قاعدة لانطلاق المهاجرين السريين الذي يعبرون من الحدود الشرقية.

3- حرب الصحراء: فقدان البوليساريو المحتمل لدعم النظام العسكري في الجزائر، والمنشغل بما يجري وبمصيره ومستقبله، قد يكون نعمة في طيها نقمة. فالجبهة الانفصالية المستوطنة في تندوف داخل التراب الجزائري قد تتحول إلى جماعة متمردة للدفاع عن بقائها واستمرارها في حال دخلت البلاد في سيناريو منفلت، وهذا قد يعني تجدد المناوشات والعمليات العسكرية، ولجوء الانفصاليين إلى حمل السلاح وممارسة حروب العصابات. من المؤكد أن ضعف النظام العسكري في الجزائر هو تقوية للموقف المغربي لكن هذا لا يعني أن هذا المكسب قد لا يكون بدون ثمن.

4- تصدير الأزمة: هناك تلميحات في تصريحات قيادات الجيش التي صدرت خلال الأسبوع الجاري والماضي عن تدخل قوى خارجية في الحراك الجزائري. بالنسبة للجنرالات هناك المؤامرة الخارجية تعني المغرب. لقد حاول العسكريون دائما تصريف أزمات الجزائر الداخلية بربطها بالمغرب بأي شكل كان. هذا ما حاولوا فعله في الأيام الأولى للحراك عندما روجوا لشعار "بوتفليقة يا المروكي". لكن من المخيف للمغرب اليوم أن يلجأ الجنرالات عند تضييق الخناق عليهم إلى التصرف بمنطق "علي وعلى أعدائي" واللجوء إلى اختلاق حرب فعلية وحقيقية مع المغرب، أو خلق اضطرابات وقلاقل فيه لتصدير الأزمة.

5- سلاح وإرهاب: الانفلات الأمني أو الحرب الأهلية أو انهيار كامل للنظام في الجزائر سيحول البلاد إلى ليبيا جديدة. بعد انهيار نظام القذافي تحولت ليبيا إلى ميناء لتصدير الأسلحة الليبية الموروثة عن الحقبة السابقة، وجابت ملايين القطع المختلفة الأحجام والاستعمالات كل بلدان الجوار، وأصبحت السلاح الليبي يستعمل في مصر وتونس في حروب إرهابية داخلية. ويمتلك الجيش الجزائري ترسانة عسكرية ضخمة إذا ما خرجت عن الرقابة والحراسة فإنها يمكن أن تشكل وقودا حارقا لكل بلدان الجوار. ويمكن أن تغذي كل الشبكات والمنظمات الإرهابية المستوطنة على الخصوص في منطقة الساحل الملتهبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى