قراءة في كتاب “مطارحات حول المجتمعات الإسلامية في سياق العولمة” للدكتور أحمد عبادي (4)
الدار / خاص
نشرت البوابة الالكترونية للرابطة المحمدية للعلماء، قراءة لكتاب “مطارحات حول المجتمعات الإسلامية في سياق العولمة”، للدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة، وهو ضمن منشورات كلية أصول الدين بتطوان.
وقدم هذه القراءة الدكتور حسان الشهيد، أستاذ التعليم العالي، بكلية أصول الدين وحوار الحضارات، بمدينة تطوان.
ويسر موقع “الدار” أن يقدم لقرائه هذه القراءة في حلقات، لما تنطوي عليه من عمق فكري، وطرح منهجي لامس فيه الدكتور أحمد عبادي تحديات ورهانات المجتمعات الإسلامية في سياق العولمة”.
أما المبحث الموالي، الذي عنونه بـ: “نحو نظر مستأنف إلى مسألة التماسك الاجتماعي” في العالم العربي في سياق العولمة، وهذه قضية افترضتها سلسلة الإدراك بشبكة تصوراتها، وكذا بالقبلة المجتمعية في سياق العولمة الراهنة، ويعود تأسيس النظر فيها هنا لاعتبارين رئيسيين([33]): أولهما؛ أن العولمة الراهنة قد خلخلت سلسلة الإدراك كما هو متعارف عليها في الأجيال السابقة بسبب أن طرائق إدراك “جيل الإنترنت” وثانيهما؛ أن الوقوف على حلقات سلسلة الإدراك، وعلى ما أصابها من خلخلة، يُيسّر رَصْدَ دروب الاستدراك الممكنة، والتي بها يمكن صوغ استراتيجيات لتقوية التماسك الاجتماعي في عالمنا العربي.كما “تفرض علينا في المنطقة أن يرتقي وعينا إلى مراقي أكثر تطورا، في استحضار تام لمقتضيات([34]) تسعة باتت من خصائص العالم المعاصر، وهي:
المقتضى الأول؛ ظاهرة “التبلور” و”التجوهر” لكوكبة من اللغات الحية التي أصبحت بمثابة ما يمكن تسميته بـ«المفاعل» اللغوي والتواصلي لعالم اليوم؛ وفيه تأكيد على البعد اللسني واللغوي التواصلي للغات فاعلة، ومؤثرة مع العوامل المختلفة تأثيرا وتأثرا وفي صلبها.
والمقتضى الثاني؛ المتمثل في الموجة التطويرية الرابعة التي هي “النانوتكنولوجيا” التي نقلت إدراكنا من الاقتصار على العالم متناهي الكبر، إلى العوالم متناهية الصغر، وما أحدثته الثورة الرقمية والإعلامية من إعادة تشكيل الفكر والوجود.
أما المقتضى الثالث؛ فيتمثل في الهم البيئي المشترك، الذي جعلنا، بدافع الاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية الأخرى، وهو الذي بات مصدر تهديد حقيقي للوجود الآدمي على مركبة الكون.
أما المقتضى الرابع؛ فيتمثل فيما أفرزته تكنولوجيات الاتصال والإعلام الحديثة، التي انبثقت من صلبها جملة من الظواهر؛ كظاهرة “المواقع الاجتماعية” والتي نحتت نحوتا ناتئة في الجوانب الهوياتية، بسبب الإيقاع السريع والفاعلية الكبيرة اللذين فرضا على عالمنا.
أما المقتضى السادس؛ فيتصل بالمنظومة الحقوقية وبالحريات مما أصبح له سريان في الدساتير والقوانين الدولية العامة والخاصة، وأصبح يمثل توجها متوافقا عليه بين البشر، مما وجب استحضاره، واستدماجه في كافة أبعاد الكسب الحضاري بمختلف تجلياته.
أما المقتضى السابع؛ فيتجسد في المنظومة القيمية الكونية “Global Ethics”، وهي ظاهرة تواشج القيم مع بعضها البعض، في أفق تشكيل منظومة قيمية مشتركة، مما سوف يكون له، بدون شك أثره البالغ على أضرب التماسك الاجتماعي على الصعيد العالمي.
في حين يتمثل المقتضى الثامن؛ في المحاولات الحثيثة الرامية إلى إيجاد نظام اقتصادي، وثقافي وسياسي شامل، وهو نظام من شأنه أن يكون كُلِّيا، حيث سيكون من الصعب جدا، إسهام أهل حضارة معينة فيه برؤية كلية مستبطنة من مرجعيتهم، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه المقتضيات.
وأخيرا المقتضى التاسع؛ وهو ظاهرة انصهار الأنساق المعرفية، والأطر المرجعية، والمركّبات المفاهيمية التي باتت تتبلور في شكل مجمعات مفاهيمية تشبه “أحياء المدينة”، وهي بمثابة قباب مفاهيمية والمرجعية الشاخصة في عالمنا الجديد، والتي بتأثيرها وتوجيهها يتم التعاطي بين مختلف الحضارات في عالمنا..وعلى وقعها انبثقت مرحلة “القبة المفاهيمية والمرجعية لـ”Christen Dom” و”Islam Dom” و”Budhist Dom”.
وفي ختم هذا العرض المختصر، يمكن القول: لم تعد الحاجة إلى منظومة قيمية إنسانية تسود عالمنا وعصرنا مطلبا فئويا؛ ذي خصوصية تاريخية أو جغرافية أو دينية حتى؛ بل أضحت بعدا كونيا إنسانيا تنبع من فطرة الإنسان الوجودية التواقة إلى العيش السليم والاستمرار القويم، كما أن واقعنا القيمي لا يفتأ يدق ناقوس الخطر لمحاولة الالتفاف على الواقع المادي الخطير؛ الذي استهوى الإنسانية المعاصرة دون الانتباه الأكيد إلى لجوانب الروحية المتأصلة في فطرة الإنسان.
ولقد استأنف الدكتور أحمد عبادي، النظر في هذه المسألة من خلال ربط علاقة التماسك الاجتماعي في عالمنا العربي بسلسلة الإدراك، وبشبكة التصورات، وبالقبلة المجتمعية في سياق العولمة الراهنة، في استحضار لمقتضيات منهجية أصبحت من خصائص العالم المعاصر. داعيا إلى ضرورة تحلي أي قوة اقتراحية بأكبر قدر من التكييف المنهاجي، المستدرج للوعي بمقتضيات الفهم والتنزيل، ولأكبر قدر ممكن من العلمية، والوظيفية، واعتبار مختلف المآلات، حتى تتبين وتتضح الرؤية في أفق قدح زند تفاعل مثمر، لترشيد التفاعل مع باقي المنظومات المفاهيمية والمرجعية.