ليس دفاعا عن التامك ولكن عن صورة وطن ضد “الاسترزاق” الحقوقي
الدار / تحليل
وضع محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الادماج، الأصبع على مكمن الداء في المغرب، عندما كشف في مقال موقع باسمه عن معطيات تخص ثلة من المحسوبين على “النضال الحقوقي” من محامين، وصحفيين، اعتادوا كما جاء في المقال “ترويج المغالطات والأكاذيب” استدرارا لعطف الأجنبي، وامعانا في الإساءة للصورة الحقوقية لبلدهم، دون التوفر على المعطيات اللازمة لملفات لازالت معروضة أمام القضاء.
خرجة التامك لم تكن لتثير حفيظة بعض أشباه الحقوقيين، لو لم تتميز بصراحتها، وبخطابها المباشر تجاه من ألفوا إشاعة الكذب، وقلب الحقائق، و رفع شعار “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما”، و التشهير بضحايا الاغتصاب والاتجار في البشر، وتجميل الوجه القبيح لـ”نضال حقوقي”، وهو أبعد ما يكون عن حقوق الانسان، لكونه يستهدف المس بصورة الوطن الديمقراطية والحقوقية.
مقال المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الادماج، كشف عن تحول كبير لدى بعض الأوساط الصحفية، والحقوقية في المغرب، التي أصبحت تبحث عن حصانات قانونية وقضائية خارج القانون، وتسعى للإفلات من العقاب بمبررات واهية، عوض الانتصار للمنظومة الكونية لحقوق الانسان، ولدولة المؤسسات، وللقضاء المستقل، ولسواسية المواطنين أمام القانون كيفما كان وضعهم الاعتباري داخل المجتمع، وكيفما كانت صفاتهم.
فكيف يعقل أن يتم الضغط كل مرة بورقة “الإضراب عن الطعام” في محاولة للي ذراع المؤسسات، والدولة، ومحاولة الاستقواء بالمنظمات الحقوقية الدولية في سبيل تحقيق هذه الغاية، التي تزيفها شعارات “حقوقية” و “نضالية” لكنها تضمر في واقع الأمر “نضال طائفي” و “عشائري” لدى ثلة من الذين يدعون عن الدفاع عن حقوق الانسان، والمؤسسات. فالكل ويا للأسف يطالب باستقلال القضاء، وبفصل السلط، وبسواسية المواطنين أمام سلطة القضاء والقانون، لكن ما ان تطال العدالة أحدهم، الا ويتم تجييش الاتباع للدفاع عنه، و محاولة تسييس ملفه، ومنح الفرصة للمنظمات الحقوقية الدولية لمهاجمة المغرب في تقاريرها السنوية، التي تغيب عنها في أحايين كثيرا معايير النزاهة والحياد، الواجب توفرها في هذه التقارير.
لقد أثبت مختلف القضايا المعروضة أمام القضاء في الأشهر الأخيرة، أن بعض الأوساط الحقوقية والصحفية لازالت تؤمن بمنظومة حقوقية مجزأة، و بإمكانية تسييس الملفات القضائية، ومحاولة الركوب عليها، متناسية أن المنطق السليم، و الرهان على عدالة قوية، ودولة مؤسسات يقتضي القطع مع ازدواجية المعايير في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، وأن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تتميز بكونيتها، وشموليتها ، وغير قابل للتجزئة، وأن الديمقراطية تقتضي عدم التدخل في الملفات المعروضة أمام القضاء.
كونية وشمولية حقوق الإنسان تقتضي، أيضا، اعتبار حقوق الضحايا من صميم حقوق الانسان، و أن تبخييس حقوق الضحايا واهانتهم وتشويه صورتهم لدفعهم الى الصمت والقبول بالجريمة والتستر عليها جريمة أفظع من الاغتصاب نفسه، وأن محاولة الضغط على مؤسسة القضاء المستقبل إساءة للديمقراطية، وأن “النضال الحقوقي” لايجب أن يتحول أبدا الى سوق يتحكم فيه منطق العرض والطلب والمزايدة.
وإذا كانت خرجة محمد صالح التامك، قد دقت ناقوس الخطر إزاء المنحدر الخطير الذي يتجه اليه “النضال الحقوقي” في المغرب، بفعل شوائب معيبة شابته في السنوات الأخيرة، فإن الحس الوطني يقتضي من الجميع اليوم، مؤسسات دولة، ووسائل اعلام، ومجتمع مدني، وكل الغيورين على هذا البلد، تشبيك الجهود، والعمل قصد الدفاع عن سمعة البلد ضد الاسترزاق “الحقوقي”، و ضد تحركات مشبوهة لتيارات عدمية ألفت الصيد في المياه العكر، واتخاذ “النضال الحقوقي”، رغم نبله وسموه، مطية لخدمة مآرب شخصية وعشائرية ضيقة.