إسلاميات… الجهادية النسوية في فرنسا
بقلم ✍️ منتصر حمادة
ضمن خلاصات كتاب “مناضلو الجهاد: بورتريه جيل”، لحكيم القروي وبنيامين هودايي، والذي إن كان مخصصاً بالدرجة الأولى للاشتغال على ما يُميز حالة 400 شاباً فرنسياً من الذين اعتنقوا الظاهرة الجهادية، من فئة الذكور على الخصوص، لأنهم الأغلبية، برقم يناهز 80 في المائة، كانت هناك وقفة عابرة مع ظاهرة الجهاديات الفرنسيات، حيث نقرأ أن الأمر لا يتعلق بـ”ضحايا، وإنما بجهاديات تتقاسمن الإيديولوجية الجهادية مع الرجال، ونادراً ما تقمن بأعمال إرهابية أو اعتداءات، ولكن فاعلات ميدانياً، من خلال الإيمان والترويج لهذه الإيديولوجية، خاصة عبر تربية الأطفال، لأنهن يعتقدن أنهن لديهن مشروعاً مجتمعياً، وليس مشروعاً قتالياً وحسب”. (حوار مع صحيفة “لاكروا”، 6 فبراير 2021)
نادرة هي الأعمال البحثية الفرنسية التي اشتغلت على الظاهرة الجهادية، خاصة أننا نتحدث عن ظاهرة حديثة الولادة زمنياً مقارنة مع بزوغ الإسلاموية، الدعوية والسياسية، لولا أن أحداث المنطقة العربية، وخاصة أحداث ما بعد يناير 2011، سوف تكون منعطفاً في ظهور جيل جديد من الحالات الجهادية.
وإجمالاً، هناك كتابان مرجعيان اشتغلا على ظاهرة “الجهاديات الفرنسية:
ــ كتاب “الجهادية النسائية: لماذا اخترن تنظيم “داعش”؟ (دار “سوي”، 2017)، من تأليف فتحي بنسلامة، عالم النفس الفرنسي، وفرحاد خسروفاخر، عالم اجتماع، وهو الكتاب الذي ترجم إلى العربية، تحت عنوان “جهاد النساء.. لماذا اخترن داعش” (دار الساقي، 2019)، وأخذاً بعين الاعتبار تعقيدات الظاهرة، فإن ميزة الكتاب أنه تضمن قراءة أستاذ علم النفس المرضي، وعميد قسم الدراسات النفسية التحليلية، وقراءة مدير الدراسات في “معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية” بباريس، وكلاهما له تراكم بحثي في الاشتغال على الظاهرة الجهادية، وخاصة التراكم الذي حققه فرحاد خسروفاخر منذ عقود، بما يُفسر تبني العمل لمقاربة تكاملية من أجل قراءة أسباب هذه المعضلة الخاصة بالنساء حصراً، بعد أن كانت في البداية خاصة بالرجال، وخاصة الشباب والمراهقين الفرنسيين، بمن فيهم الفئة التي اعتنقت الإسلاموية عبر البوابة الجهادية.
اشتغل الباحثان على ستين حالة من الفرنسيات الجهاديات، من المراهقات والشابات، مع تنوع في مصادر المعلومات، بين جلسات حوارية مع بعضهن، أو قراءة بعض التحقيقات التي قام بها صحفيون ومختصون في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، أو من خلال حالات شابات مررن من العيادة قصد الخضوع جلسات التحليل النفسي. بخصوص نسبة النساء بين الجهاديين الفرنسيين، فقد ناهزت فتاة واحدة من بين كل ثلاثة جهاديين فرنسيين، وهؤلاء ثلثهن اعتنقن الإسلام.
ــ أما الكتاب الثاني فعنوانه “عطر الجهاد”، من تأليف الصحافيتان الفرنسيتان سيلين مارتوليه وإديث بوفيي (دار “بلون”، 2018)، وميزة هذا الكتاب أيضاً، أنه مؤسسة على لقاءات مباشرة مع جهاديات فرنسيات، على غرار كتاب “الجهادية النسائية: لماذا اخترن تنظيم “داعش”، ولكن اللقاءات كانت أكثر حميمية، وأكثر صراحة مقارنة مع كتاب تأليف فتحي بنسلامة وفرحاد خسروفاخر، لأننا نتحدث عن جلسات حوارية أقرب إلى جلسات مكاشفة، تجمع بين النساء حصراً، ولم تعرف حضوراً ذكورياً، لأنه مهما بلغت مؤشرات الصراحة والمكاشفة في اعترافات الجهاديات، إلا أن وجود محاورين من الرجال، يعتبر حاجزاً نفسياً لا نجده عندما يتعلق الأمر بمحاورات نسائية، وهذا ما يُميز هذا العمل.
من خلاصات الكتاب، وهي الخلاصات نفسها التي جاءت في بعض التحقيقات الصحفية النادرة التي أنجزت حول الموضوع، أن “الجنة الموعودة” التي كانت تحلم به فئة الجهاديات الفرنسيات، هناك في سوريا والعراق، كانت سراباً، وأخذاً بعين الاعتبار التجربة الميدانية التي مرت منها هذه الفئة من الشابات والمراهقات الفرنسيات، باسم ممارسة الجهاد، فقد كانت العديد من الشهادات صادمة ومؤلمة، وهي التجربة التي توجد في مقدمة الأسباب التي جعلتهن يرغبن في العودة إلى فرنسا، حتى لو كُنَّ عرضة للمحاكمة ولعقوبات حبسية بمجرد وصولهن إلى التراب الفرنسي، ويفضلن ذلك على وضعية الاحتجاز في المعسكرات الكردية”، حتى إن “كثيرات منهن أصبحن يفكرن في الاستسلام للسلطات التركية حتى يتم ترحيلهن إلى فرنسا”. (حوار مع سيلين مارتوليه وإديث بوفيي، صحيفة “لوباريزيان”، 31 ماي 2020).
وعلى غرار السائد في التعامل اللاحق مع صدور هذه الكتب النوعية التي تتضمن معطيات جديدة، كانت غائبة عند أغلب من يشتغل على الظاهرة، وقد تكون نسبة من هذه المعطيات غائبة حتى عن دائرة صناعة القرار، فإننا نعاين صدور متابعات إعلامية، غالباً ما تكشف عن معطيات إضافية عما جاء في مضامين هذه الكتاب، ونتوقف هنا عند بعضها:
فالنسبة للكتاب الأول، ثمة مجموعة من الإشارات التي تتطلب المزيد من الاشتغال البحثي عن مجمل الأسباب المركبة بالظاهرة، بخلاف التوقعات السابقة التي كانت تتحدث عن قدوم أغلب الجهاديات الفرنسيات من أوساط اجتماعية متدهورة، اتضح أن “أغلبهم قدمن من مستويات مجتمعية متوسطة، بمن فيهن حوالي 20 في المائة من اللواتي اعتنقن الإسلام عبر البوابة الجهادية، وقادمات من أي من الطبقة المتوسطة، بخلاف السائد من الجهاديين الشباب الذين قدم أغلبهم من الضواحي، وبالنتيجة، هناك فوارق في المحدد الاجتماعي بين الجهاديين والجهاديات في فرنسا”، بتعبير فرحاد خسروفاخر، ويضيف أيضاً أنه من العوامل نجد “سوء المعاملة الأسرة، سواء من الأب على الخصوص، أو من الأم، كأن الهجرة نحو البؤر الجهادية، أشبه بحالة علاج من تبعات سوء المعاملة”.
بالنسبة لفتحي بنسلامة، وبحكم اشتغاله في علم النفس، فقد لخص مجموعة من الأسباب الخاصة بتورط الشابات والمراهقات الفرنسيات في معضلة الجهاد، منها “الرغبة في الظفر بزوج مثالي، وهي الرغبة التي تسبقها حالة انزياح عاطفي نحو الزوج الموعود، إغراء الخطاب الدعائي لتنظيم داعش، والذي يلخص الرجل الغربي في أنه غير صادق، ولا ثقة فيه، بخلاف الزوج الداعشي، لأنه إنسان بطولي، ومستعد للموت، إضافة إلى عامل آخر مرتبط بالتعامل الداعشي مع جسد الجهاديات، حيث يقنعهن بأن جسدهن مثير جنسياً بالضرورة، وعدو للدين، ومن نتائج الرضوخ لهذه الدعاية، أن الجهاديات تنتقمن من أنفسهن في مرحلة اعتناق الداعشية”، وأضاف بنسلامة أيضاً أن العرض الجهادي لتنظيم داعش لا يمكن اختزاله في البعد الديني، لأنه عرض متعدد المحددات، خاصة أن الجهاديات المعنيات هنا، لا تجمع بينهن الأسباب نفسها التي تقف وراء اعتناق الداعشية، والتي يمكن حصرها في العطب المجتمعي والسياسي والثقافي والاقتصادي في الغرب، أعطاب تلخص حالة انهيار” (حوار مع تأليف فتحي بنسلامة وفرحاد خسروفاخر، صحيفة “ليبراسيون”، 12 سبتمبر 2017).
أما بالنسبة للكتاب الثاني، فنقرأ خلاصات تتقاطع مع كتاب بنسلامة وخسروفاخر، ونذكر منها إشارتان:
ــ تفيد الأولى أنه لا يوجد توصيف نموذجي بالنسبة للنساء وحتى للرجال الذين التحقوا بتنظيم داعش. فهناك عدد كبير من النساء اللاتي اعتنقن الدين الإسلامي. وأخريات، رغم أنهن كبرن في كنف عائلات مسلمة غير ملتزمة، أصبحن إرهابيات. وهناك أخريات ولدن في أحياء راقية في بعض الضواحي الباريسية وغيرهن ولدن في مدن صغيرة. هؤلاء النساء لا ينحدرن كلهن من ضواحي فقيرة أو من عائلات بسيطة.
ــ وتفيد الثانية أن بعض من هؤلاء البنات تمت مساعدتهن في إطار برنامج خاص يهدف إلى محاربة العنف والذي وضع من قبل الحكومة في 2016″، وأنه لا مفر من “معالجة كل امرأة بشكل فردي لأن كل واحدة منهن تملك قصتها الخاصة. هناك جمعيات ومنظمات تهتم بالعامل السيكولوجي لهؤلاء وتقترح بعض الحلول لكن هذا يتطلب وقتاً كبيراً، خاصة عندما يتعلق الأمر بنساء خرجن من السجن فكل واحدة منهن تحتاج إلى متخصص يساعدها.