المغرب-إفريقيا: العلاقات الاقتصادية تنتقل إلى السرعة القصوى
تواصل العلاقات الاقتصادية بين المغرب وباقي الدول الإفريقية تناميها بفضل الجهود الجبارة التي بذلتها المملكة خلال السنوات الماضية في قطاعات متعددة ذات قيمة مضافة عالية. ليس هناك شيء بالصدفة؛ ففي واقع الأمر نجحت هذه العلاقات في الحفاظ على منحاها التصاعدي خلال العقدين الماضيين بفضل توجه إفريقي حقيقي للمغرب، والذي يعد جزء من رؤية شاملة ترتكز على تعزيز التعاون جنوب-جنوب وشراكة رابح-رابح.
وقد تجسد هذا التوجه من خلال استثمارات كبيرة في البنيات التحتية الحضرية والقروية، بالإضافة إلى استراتيجية اقتصادية طموحة تهدف إلى جعل المملكة محورا إقليميا في خدمة التنمية المشتركة.
ومن نافلة القول، فإن العديد من البلدان الإفريقية اليوم تعتبر المغرب شريكا لا غنى عنه في القارة، بالإضافة إلى كونه فاعلا مرجعيا في شمال إفريقيا، بالنظر لاستقراره ومكانته المتميزة كقطب اقتصادي ومالي إفريقي بامتياز.
ويتعلق الأمر بمؤهلات لاينفك صناع القرار الأفارقة يشيدون بها، في كل لقاء رسمي، ولا يفوتون الفرصة لتسليط الضوء على آفاق التعاون التي تتيحها مختلف القطاعات الاقتصادية.
ولعل ما ينبغي الإشارة إليه أيضا، أن وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي خلخل دون شك الساحة الاقتصادية العالمية، لم يكبح مع ذلك التطلع القوي للمغرب وشركائه الأفارقة من أجل إعطاء دفعة كبيرة للتعاون الاقتصادي.
ويتجلى ذلك من خلال قطاعات واعدة، مثل الفلاحة وصناعة الأدوية والطاقات المتجددة وتكنولوجيا المعلومات الجديدة، التي كانت في صلب سلسلة من الاتفاقيات التي تم توقيعها بالأحرف الأولى بين الجانبين خلال العام المنصرم، في أفق العمل ليس فقط لضمان انتعاش أفضل لما بعد كوفيد، ولكن أيضا لتعزيز هذه الدينامية الاقتصادية التي تشكل ضمانة لاستدامة تعاون واعد. وكمثال على ذلك، الاتفاقية الموقعة بين نيجيريا والمغرب لتطوير منصة كبيرة للأسمدة في نيجيريا ستنتج الأمونياك ومختلف المخصبات (NPK) (الأزوت والفوسفور والبوتاسيوم) والأسمدة (DAP) (فوسفاط الأمونياك) باستخدام احتياطيات الغاز في نيجيريا. ويتعلق الأمر بمشروع ضخم سيشكل بدون شك منعطفا في التعاون الثنائي بين البلدين.
المبادلات التجارية: دينامية جديدة آخذة في التشكل
لقد نمت القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية للمغرب مع الدول الإفريقية بنسبة 9.5 في المئة كمتوسط سنوي خلال الفترة 2000-2019، لتبلغ قرابة 39.6 مليار درهم في 2019، مشكلة بذلك نحو 6.9 في المئة من القيمة الإجمالية للمبادلات الخارجية للمغرب مقابل 4.3 في المئة في عام 2000.
هذه الأرقام، التي نشرت في دراسة حديثة أعدتها مديرية الدراسات والتوقعات المالية، توضح بجلاء الجهود التي بذلتها المملكة على مدار العشرين سنة الماضية من حيث تنويع المبادلات وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول الإفريقية.
وحسب نفس الدراسة، التي تنصب على الاقتصادات الإفريقية، فإن الاستثمارات المغربية في إفريقيا، والتي تتكون أساسا من الاستثمارات المباشرة في إفريقيا جنوب الصحراء، انتقلت من 907 ملايين درهم في 2007 إلى 5.4 مليار درهم في 2019، أي ما يعادل 47 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمغرب في الخارج. وتعرف هذه الاستثمارات المغربية في المنطقة تقلبات من سنة إلى أخرى، لكن حصتها تظل مرتفعة إجمالا، حيث تمثل ما يصل إلى 92.2 في المئة من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصادرة في سنة 2010.
وهكذا، فإن المملكة حاضرة في إفريقيا جنوب الصحراء، الوجهة الأولى لاستثماراتها الأجنبية المباشرة في إفريقيا، في أكثر من 14 دولة بما في ذلك كوت ديفوار (13 في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة إلى إفريقيا في 2019) وتشاد (12 في المئة) والسنغال (9 في المئة).
وعلى نفس المنوال، انتعشت الصادرات المغربية إلى القارة بنسبة 11 في المئة في المتوسط السنوي لتصل إلى 21.6 مليار درهم في 2019، ما يمثل 7.7 في المئة من إجمالي الصادرات المغربية مقابل 3.7 في المئة في عام 2000.
هذه الإحصائيات التي تبدو واعدة ويمكن تحسينها بشكل أكبر بفضل جهود الجمعية المغربية للمصدرين التي تطمح إلى تعزيز الحضور المغربي في السوق الإفريقية، في سياق رغبتها في دعم تنمية العرض الوطني القابل للتصدير.
وبالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز هذا الزخم من الدينامية التصاعدية، في بداية هذا العام، مع دخول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية حيز التنفيذ، والتي من المتوقع أن تكون فرصة تحمل الكثير من الأمل لإفريقيا والتي ستسمح للقارة بالوصول إلى مرحلة عالية من التقدم.
ويتيح اليوم العالمي لإفريقيا، الذي يتم الاحتفال به في 25 ماي من كل سنة، الفرصة لإبراز الالتزام الإفريقي للمملكة وتضامنها مع دول القارة تماشيا مع الرؤية الملكية التي تضع المواطن الإفريقي في قلب انشغالاتها حول ثلاثية : السلام والأمن والتنمية.