جامعي: تغييب التربية الفنية الجمالية في المناهج الدراسية يمس دمقرطة التعليم في المغرب
تحتفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) ما بين 25 و31 ماي الجاري بالأسبوع الدولي لتعليم الفنون. في هذا الحوار، يجيب المصطفى المودني، الأستاذ المكون في علوم التربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس/مكناس، ومؤلف كتاب “مدارات التربية.. التدريس والفن” الصادر مؤخرا عن دار النشر (مقاربات)، عن أربعة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء حول دور الفنون في العملية التعليمية وواقع تدريسها وسبل النهوض به بالمغرب.
1- كيف يمكن في نظركم أن تساهم التربية الفنية في بناء شخصية متوازنة، وما الخدمة التي يمكن أن تقدمها في النهوض بقيم احترام الآخر والتنوع الثقافي ؟
بداية، نعرف التربية الفنية إجرائيا باعتبارها مجموعة من الأنشطة البيداغوجية ذات محتوى فني، يتم من خلالها إرساء تعلمات معرفية، فنية، تقنية وقيمية لدى المتعلم لأجل تحقيق نموه العقلي والوجداني والحس حركي وبالتالي إنماء كفاية فنية جمالية. وهي تشمل كافة فنون التعبير وأشكاله مثل التشكيل والفنون البصرية والتعبير الجسدي والمسرح والموسيقى والرقص، وتعمل على الارتقاء بالمتعلمين مما هو تقني إلى ما هو إبداعي.
وحسب طرح عالم النفس الأمريكي، جون ديوي، فإن هناك حاجة ماسة إلى تنمية الإحساس الجمالي والتذوق الفني للإنسان، فضلا عن إكسابه المعايير في مجال الحكم الجمالي. وهذه التعلمات هي ما ينمي الكفاية الفنية الجمالية التي تخص التذوق والحساسية تجاه مختلف أشكال التعبير، والإدراك البصري والسمعي والحسي، وتملك المناولة الأداتية والتقنية، وآليات الإبداع، وتحليل المعارف لتصبح قابلة للنقل والتحويل والتوظيف في حياتنا بشكل عام.
ومن تحصيل الحاصل أنه عندما نكو ن إنسانا رفيع الذوق، فستكون تركيبته الشخصية، وبلا شك، حاملة لقيم الاحترام والتعايش مع الآخر وقبول الاختلاف والتباين، نظرا لما تمل كه من أدوات الحكم والتفضيل الجميل.
إن تعليم الفنون يكتسي أهمية بالغة في تكوين شخصية المتعلم وتطوير الحس والارتقاء به. ولا أحد يجادل في دورها في إشاعة روح الانفتاح وقبول التعدد الثقافي وتحقيق التكامل في بناء شخصية متوازنة وتمكينها من آليات الوعي الإيجابي بالوسط المحيط وإرساء ثقافة تعايش إنسانية متحضرة.
2- ما هو تقييمكم لتوظيف الفنون في العملية التعليمية التعلمية بالمؤسسات التعليمية بالمغرب ؟
العديد ممن اشتغلوا على موضوع العلاقة بين الفن والتربية وتكوين الإنسان بصفة عامة، يتفقون -مع الأسف- على أن منظومتنا التعليمية ما زالت تفتقد إلى حد كبير إلى الاهتمام بهذه المادة التربوية والتكوينية، وبالخصوص على مستوى الممارسة داخل المؤسسات التعليمية.
وعلى سبيل المثال، فالتراجع عن تدريس الفنون بمراكز تكوين الأساتذة، وإغلاق شعب الفنون التشكيلية والتربية الموسيقية مع محاولة تعويضها ببعض الأندية الفنية في المدن الكبرى، قد جانب تعميم التربية الفنية وحرم العديد من المتعلمين من حقهم في تكوين إبداعي وفني يسهم في إنماء متكامل للأبعاد الشخصية في كليتها.
وفي واقع الأمر، فإن هذا التراجع الذي يشكل ضربا في عمق دمقرطة التعليم، يبدو بارزا إذا ألقينا نظرة تتبعية للمسار التاريخي لتدريس التربية الفنية، حيث تم تقليص الغلاف الزمني المخصص للمادة، وتغييب ممارستها، ما يشكل نقطة سلبية للمشروع التربوي وكبحا لسيرورة الانفتاح الذي يرومه حقل التربية ببلادنا، الشيء الذي ينبغي للوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين الانتباه إليه ومعالجته.
أود أن أشير أيضا إلى أن ندرة الاهتمام بالدراسات الجمالية عامة، وفي جانبها التربوي بشكل خاص، كر ست غياب الذوق والحس الجمالي، وهذا السلوك ملحوظ في حياتنا اليومية، وأثره واضح أيضا على مستوى البحث العلمي.
3- ما هي مقترحاتكم للنهوض بتدريس وتوظيف الفنون والتربية الجمالية بالمؤسسات التعليمية ؟
أصبحت التربية الفنية والجمالية ذات أهمية جوهرية في الزمن الحاضر بوصفها تهتم بالتربية البصرية والتشكيلية وجميع طرائق التعبير المسرحي والجسدي والموسيقي. كما أنها باتت تشكل دعامة وقاعدة الاقتصاد الفني والإبداعي.
وإذا كان رأس المال البشري ورأس المال الثقافي يشكل الثروة الرئيسية للبلاد، فإن القدرة على تعبئة المهارات والمعرفة والدراية والمهارات الشخصية هي العامل الرئيسي للنمو والتنمية. ولهذا، يبدو من الصعب عزل التربية الفنية باعتبارها مساهما أساسيا في بناء التعلمات عن باقي المكونات التعليمية الأخرى.
ومما نقترحه للنهوض بتدريس الفنون على مستوى منظومتنا التربوية، معالجة التمثلات الخاطئة والسلبية تجاه تدريس الفنون وجدواها، والتوعية بأهمية التربية الفنية في إنماء التفكير المبدع، والتوعية بالحاجة المجتمعية للصناعات الثقافية والفنية باعتبارها دعامة للتنمية الاقتصادية.
كما ندعو إلى إلزامية تدريس المواد الفنية على الأقل في المستويات الأولى، وإعادة الشعب الفنية إلى مراكز تكوين الأساتذة بعد إقصائها.
4 – أصدرتم مؤخرا كتابكم “مدارات علوم التربية. التدريس والفن”، تطرقتم فيه إلى توظيف التكنولوجيا في مجال الفنون البصرية، واستغلال ذلك في عملية التدريس. كيف ذلك؟
من المتفق عليه أن الوسائل التكنولوجية المعلوماتية الحديثة ت شغل حيزا كبيرا في مختلف مجالات حياتنا اليومية، بما في ذلك المجال التربوي والتعليمي. وهذا الكتاب يروم إبراز أهمية الوسائل التكنولوجية الحديثة في إنتاج الصورة الأنفوغرافية بالخصوص، باعتبارها وسيلة تعليمية، هادفا في ذلك إلى توضيح الجوانب التقنية لإنتاج هذا النوع من الصور، وتوظيفها في الممارسة الديدكتيكية بنجاعة وفعالية، اعتمادا على تجربتي الفنية والتقنية والبيداغوجية.
وحاولت تفسير ذلك من خلال إبراز وجود علاقة واضحة بين استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة وتجويد إنتاج الوسائل الديدكتيكية باعتبارها وسائط ووسائل للتدريس، على أساس أن استعمال الحاسوب والبرانم والتطبيقات الفنية كانت أكثر فعالية ونجاعة مقارنة مع الطرق التقليدية.
وإذا كان لا أحد يجادل في ما أحدثته الثورة الرقمية في مجتمعنا، وفي الحاجة إلى اللحاق بهذه الثقافة الرقمية في اشتغالنا التعليمي لمواجهة تحديات المستقبل، فإن توظيف نموذج الصورة بشكلها الرقمي باعتبارها وسيلة للتواصل الديدكتيكي يأتي باعتبار أن الفنون الأنفوغرافية والفنون البصرية الحديثة عموما، يسرت توفير وسائل ديدكتيكية افتراضية تتماشى مع سيرورة العملية التعليمية التعلمية، وتجلب اهتمام المتعلمين وتسهل اندماجهم وانخراطهم في الأنشطة التربوية.
المصدر: الدار– وم ع