البوعناني: شاعر بالإحساس.. ناطق بالحكمة
الدار/ صلاح الكومري
في سنه، التسعين، مازال محمد البوعناني، ابن مدينة أصيلة، متشبثا، بأصالته، ناطقا بإحساسه، شعرا وحكمة، لم تنل منه تقلبات الحياة الدنيا "الفانية"، استسلمت أمام إيمانه وروحه الممتدة كامتداد الشواطئ والمحيطات.
مازال قلب محمد البوعناني، عميد الإعلاميين المغاربة، متوهجا حبا وسلاما، نابضا بالحياة في صيغتها البريئة، متمسكا بالأمل، وكل ما هو جميل، لا ينتظر إلا ودادا من الودودين والطيبين مثله، من تلامذته، أولئك الذين علّمهم العلم في إحدى مدارس الريف، سنوات الخمسينات، قبل أن تبتلعه الإذاعة وتحاصره حصارا شاملا.
ترك البوعناني مهنة التعليم، وانجرف وراء الإذاعة، كانت البداية في القسم العربي لإذاعة فرنسا الدولية، ثم في الإذاعة الوطنية، حيث أنتج عشرات البرامج، ثقافية، رياضية، فنية، وثائقية، جميعها كانت إضافة غنية جدا للمتلقي المغربي لعشرات السنوات، بل كانت المتنفس الإذاعي الأول لجيل كبير من "قدماء المحاربين".
لم يكن البوعناني، قيد نشاطه، عميدا للإعلاميين المغاربة فقط، ولم يكن آلة إنتاج فكر وعلم وتربية، بل كان أيضا شاعرا، ملهما وعاشقا، ألف عشرات القصائد نشرها في مجلات زمن الصحافة الجميل "الأنيس"، "الأنوار"، "المعرفة"، "الآداب"، "الزهور"، "الدوحة"، "آفاق"، "دعوة الحق"، ونشرها حتى في مجلات فرنسية، ترجمتما إلى لغة موليير.
يقول البوعناني في قصيدته "حلم ليلة".
ولما ابتعدنا عرفت القلق… وكدت من الشوق أن أحترق
وقبلت نسمة فجر الصباح…وحملتها قبلة في الغسق
وقلت لها قبلي مخدعا…بل الفل عطر وورد عبق
ويا نجمتي داعبي وجهها..بسلسال نور كنور الشفق
ولا توقظي ناعسات الجفون..فإني أخاف عليها الأرق
عميد الإعلاميين المغاربة، وعاشق البحر، كما يلقبه كثيرون، يحمل في ذاكرته خزانة رياضية غنية جدا بالأسرار والأحداث غير المؤرخة في تاريخ الرياضة المغربية، فقد شهد تفاصيل وكواليس الكثير من الأحداث نظمت في المغرب، من بينها كأس محمد الخامس، كما تكلف بوصف مباراة الجيش الملكي أمام أتلتيكو مدريد الإسباني، سنة 1964، وكان، ومازال، حسب الكثير من معارفه، أرشيف مغربي متنقل.
رغم أن عاشق البحار والبحارة يعاني صحيا، وقد جاوز التسعين من عمره، إلا أنه مازال يتنسم نسيم البحار، مازالت روحه تسافر عبر الشواطئ والمحيطات، وتعود إليه محملة حيوية ورشاقة، وتخبّره بأن موعد الرحيل لم يحن بعد.