الرأيسلايدر

ازدواجية إسلاميي “التوحيد والإصلاح” و”العدالة والتنمية”

منتصر حمادة

من الصعب منافسة الخطاب الإسلامي الحركي في موضوع الازدواجية، مع أن هناك مشاريع سياسية وإيديولوجية أخرى متورطة بشكل أو بآخر في هذا المأزق، لولا أن المأزق مع إسلاميي الساحة، ــ والحديث هنا عن الإسلاميين المغاربة بالتحديد ــ يكمن في أ، هذه الازدواجية، تمارس باسم ما يُصطلح عليه عندهم بـ”المرجعية الإسلامية”، والإسلام، أو قل القيم الإسلامية النبيلة، بريئة من هذا العبث الذي يمارس باسمها، إلا إن كان الأمر يهم قيماً إسلامية حركية، وحينها الأمر متوقع منها، على غرار ما نعاين مع باقي الإسلاميين، في العمل الدعوي والسياسي والقتالي.


يكفي تأمل المواقف السياسية الأخيرة للعديد من قادة المشروع الإخواني الذي تقوده حركة “التوحيد والإصلاح” وحزب “العدالة والتنمية”، في سياق التعامل مع العديد من قضايا الساحة، من قبيل قضية تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، أو تأمل مواقف الأمس ومواقف اليوم، في التعامل مع عدة قضايا، بل وصل الأمر هنا، في موضوع التطبيع بالذات، على غرار ما نعاين ما باقي إسلاميي المنطقة، التعامل مع “تطبيع حلال”، وآخر “حرام”، على غرار التعامل مع “فوضى خلاقة” حرام، وأخرى حرام (مواقف يوسف القرضاوي نموذجا، ومعه مواقف أتباعه هنا في المغرب والمنطقة).
بالنسبة لمتتبع مشروع هؤلاء، الأمر يتعلق بازدواجية متوقعة، لأننا نتحدث عن إحدى نتائج انخراط الحركة الإسلامية، في العمل السياسي، ومعلوم أن العمل السياسي، بما في ذلك العمل الحزبي، عمل إنساني، نسبي، لا يحتمل المطلقات، أو العقلية المانوية التي تصنف الذات والآخر في الأبيض والأسود، كما أن آفاق الاشتغال في العمل السياسي والحزبي، جاري بها العمل في أي مجال ثقافي، سواء تعلق الأمر بالساحة المغربية أو الإقليمية أو الدولية.
بينما الأمر مختلف مع آفاق العمل الإسلامي الدعوي، أي العمل الذي يشتغل في فضاء الدعوة والوعظ والإرشاد، حيث نجد تتسع آفاق الاشتغال، وحيث النهل الإيديولوجي من مرجعية دينية حركية، تجعل الولاء للمرشد أو قائد المشروع، ومن يعترض يكون مصيره التضييق أو الطرد، وإن كان الأمر يتعلق بحالات خاصة، ولكن الشاهد هنا، أن العمل الإسلامي الحركي، يتميز بهامش مناورة أكبر، بدليل التأثير الذي يجسده على أرض الواقع، بخلاف هامش المناورة مع العمل السياسي الحزبي، وهذه إحدى الفوارق التي لا ينتبه إليها أتباع هذا المشروع، أو يُصرون على صرف النظر عنها، وتجاوزها أو التحايل عليها، عبر مخرج عنوانه الازدواجية.
لقد سبق للعديد من الأصوات التي كانت إسلامية حركية، أي عضوة فاعلة ومؤثرة في هذا المشروع، أن حذرت من هذه القلاقل، من قبيل ما جرى مع الأعمال النقدية التي صدرت عن الراحل فريد الأنصاري، وهو أهم منظر للمشروع الإسلامي الحركي في المَجَرة الأولى (التي نواتها حركة “التوحيد والإصلاح” وحزب “العدالة والتنمية”)، ولا ينافسه من حيث المرجعية، إلا عبد السلام ياسين، في المَجَرة الإسلامية الحركية الثانية، التي نواتها جماعة “العدل والإحسان”، ونخص بالذكر ما جاء في ثلاثيته الشهيرة: “البيان الدعوي” و”الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب”، و”الفطرية”، وعوض أن ينتبه أتباع هذا المشروع، بما في ذلك القيادات، لأهمية تلك الملاحظات النقدية، قوبلت أعماله بصرف النظر أو الاعتراض، من قبيل ما صدر عن الداعية أحمد الريسوني، الذي يشتغل اليوم موظفا في مشروع ديني إيديولوجي هناك في الخليج، يسمى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، وهي منظمة لا تمثل إلا نفسها، من باب التذكير.
هذا دون الحديث عن معضلة التربية على أدبيات التقية التي نجدها عند بعض رموز هذا المشروع، ولا نتحدث عن جميع أعضاء المشروع، لأنه لا يمكن التورط في ما يُشبه الرجم بالغيب وتفتيش العقائد، ولكن معلوم أن مؤشر الاشتغال بعقلية التقية عند المشروع الإخواني، مرتفع مقارنة مع الاشتغال نفسه عند أتباع المشروع السلفي الوهابي مثلا، أو أتباع المشروع الداعشي، والشاهد هنا، أن هناك عدة أسباب أو مقدمات، تفسر اشتغال جزء من هذا المشروع الإسلامي الحركي، بعقلية الازدواجية، رغم صدور الانتقادات عن بعض الفرقاء في الساحة السياسية والحزبية، من المنافسين انتخابيا للمشروع، أو عن وسائل الإعلام، أو عن بعض الباحثين، على قلتهم، ولكن اشتغالهم لتلك الازدواجية، واقع لا يرتفع، ونجد تطبيقاته في عدة أمثلة، سواء كانت تهم المواقف السياسية أو المواقف الأخلاقية أو حتى المواقف الدينية.

زر الذهاب إلى الأعلى