سلايدرفن وثقافة

إسلاميات… منال ابتسام: نموذج تطبيقي للمعضلة الإخوانية على مسلمي فرنسا

منتصر حمادة

بين 2018 و2020، جرى حدث يهم المجال الفني في الساحة الفرنسية، ولكنه يُحيل على عدة قضايا في آن، تهم واقع الجالية المسلمة، وواقع الظاهرة الإسلامية الحركية، في نسختها الإخوانية بالتحديد (لأن الإسلاموية، موزعة على عدة مشاريع، منها الظاهرة السلفية الوهابية، الظاهرة الإخوانية، الظاهرة “الجهادية”… ضمن مشاريع أخرى).
يتعلق الأمر بمشاركة الشابة منال ابتسام، 25 سنة حالياً، في النسخة الفرنسية من برنامج المواهب “ذا فويس” The Voice، وبالتحديد النسخة السابعة منه، الخاصة بسنة 2018.


ومنال ابتسام، شابة فرنسية مسلمة، تنحدر من أصول حلبية لأب سوري وأم مغربية، وكانت إحدى أسباب تميز مشاركتها مرتبطة بمحددين اثنين على الأقل: الأول يهم أداءها أغنية “هاللويا” [ما يقابل الحمد لله عند المسلمين] للمطرب الكندي الراحل ليونارد كوهين، مع إدراج مقطع من أغنية “يا إلهي” باللغة العربية، وجاء ذلك انطلاقاً من قدرات غنائية مذهلة، بتعبير النقاد حينها، والثاني مرتبط بجمالها، بحيث فاق ما يُمكن الاصطلاح عليه بالمعدل في الساحة، بما في ذلك معدل الجمال الظاهري للفتيات المشاركات في هذا البرنامج أو غيره، وهذه جزئية يُقر بها أغلب من تابع مشاركتها، ومن يتابع مسارها، قبل وبعد التطورات اللاحقة، ولها موقع على منصتي “إنستغرام” و”يوتيوب” تشارك المشتركين والمتصفحين بعض المقطوعات التي تغنيها في منزلها وهي تعزف على آلة البيانو.
وبسبب هذا التميز في الأداء، تمكنت من تخطي المرحلة الأولى والانتقال إلى الجولة الثانية، بعد أن حصلت على موافقة الأعضاء الأربعة في لجنة التحكيم، مع الإشارة إلى أنها شاركت في البرنامج وهي ترتدي الحجاب، وكانت هذه سابقة في النسخة الفرنسية من البرنامج، بينما الأمر مختلف مع باقي النسخ الأوربية منه، باعتبار حساسية المسألة الدينية في المجال الثقافي الفرنسي.
ما جرى بعد مشاركتها في البرنامج، أن حسابها حظي بمتابعة كبيرة، لولا أن تأمل ذلك الحساب، كشف عن نشرها مجموعة من الروابط والتدوينات الصادرة عن رموز إخوانية، وأخرى سلفية وهابية، محسوبة على جميع “باراكا سيتي”، أما الرموز الإخوانية، فإضافة إلى الداعية حسن إيغوسان، نجد نبيل الناصري ومروان محمد، وهما من رموز المشروع هناك، ونضيف أيضاً طارق رمضان (جرى ذلك قبل قضيته اللاحقة حول موضوع التحرش).
تسبب هذه التدوينات في صدور عدة انتقادات، سواء في العالم الرقمي أو في المنابر الإعلامية، إلى درج اقتربت أن تصبح فيها المسألة قضية رأي عام، خاصة أنها مرتبطة بمرشحة نجحت في إحدى حلقات برنامج جماهيري، ويحظى بشعبية كبيرة، مما اضطر الشابة في نهاية المطاف، إلى إعلان انسحابها من المسابقة.
من بين تلك المنشورات، أعربت منال عن شكوك بشأن طبيعة هجوم إرهابي باستخدام شاحنة في مدينة نيس عام 2016، متأثرة بالدعاية الإسلامية الحركية حينها، قبل توضيحها طبيعة وحقيقة تلك المواقف لاحقاً في رسالة في رسالة مصورة نشرتها عبر صفحتها بموقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، بدأتها بالتحية: “هالو، شالوم، سلام”، معتبرة أن شاركت في البرنامج “بهدف جمع الناس لا تفريقهم، للتشجيع على التفكير، لا على إغلاق العقول، وعندي ثقة ببلدي فرنسا، لكن الأيام الأخيرة كانت صعبة جدا علي ومشحونة بالتوتر”. كما نشرت تغريدة بموقع تويتر، قالت فيها “ولدت في بزونسون. أحب فرنسا وأحب بلدي. أدين الإرهاب بكل حزم. كان هذا هو سبب غضبي. كيف تتخيلون أن أدافع عن شيء لا يمكن الدفاع عنه”.
تطورت القضية لاحقاً بالنسبة للشابة، إلى خلافات مع زوجها الأمريكي المسلم، بسبب استمرارها في الغناء، فانتهى الخلاف بالطلاق، والهجرة لاحقاً إلى كندا، حيث تقيم هناك، وفي خضم هذه المعاناة نزعت حجابها، لولا أن هذه المحطة، أي نزع الحجاب، ومن نتائج نزع الحجاب، كما صدر عنها في أحد الحوارات التي أجربت معها في يوليو 2020، أنها فقدت 13000 مشترك في أحد حساباتها الرقمية، حينها تأكدت من مؤشر التشدد واختزال المرأة في الجنس، انطلاقاً من رؤى لا علاقة لها بالدين”، مضيفة في الحوار نفسه، في إحالة على القراءات السياسية للتدوينات التي كانت تنشرها، دون أن تنبه إلى المرجعية الإيديولوجية ــ الإخوانية تحديداً ــ لأصحاب تلك التدوينات: “أنا لست فاعلة سياسية، ولا أنتمي إلى حركة نسوية، ولست ناطقة باسم أحد”.
تكشف هذه الواقعة عن الجزء الظاهر من جبل الثلج بخصوص القلاقل التي يتسبب فيها الخطاب الإسلامي الحركي للمسلمين في الساحة الأوربية، والنموذج هنا في الساحة حيث توجد أكبر جالية مسلمة من جهة، وحيث تعايش حساسية قانونية مع الدين بمقتضى قانون 1905، وهذه معضلة تلخصا مضامين مقالة مرجعية صدرت عن الموضوع للباحث نعيم بستنجي، وجاء عنوانها دالاً، إن لم يكن جامعاً مانعاً، رغم بغض التحفظات على مضامين القراءة، ولكن يهمنا هنا بضع مضامين والعنوان الذي جاء فيه: “منال ابتسام، فنانة وضحية تطرفها الديني”.
عندما تنشر الشابة تدوينات نقلاً عن حسابات الداعية الإخواني حسن إيغوسان، وهو يتحدث عن معاداة الإسلام، أو الإسلاموفوبيا، دون أن تكون الشابة متفقهة بداية في مرجعية الداعية، وهي مرجعية دينية إيديولوجية، ودون أن تفقه أيضاً في ماهية هذه الإسلاموفوبيا، وهل الأمر يتعلق بمعاداة الإسلام أم معاداة بعض مروجي خطاب الكراهية باسم الدين، فطبيعي أن تتسبب هذه التدوينات في صدور انتقادات مجانية أو وجيهة ضد هذا الخلط، خاصة أنها أصبحت حينها شخصية عامة، بعد المشاركة في البرنامج سالف الذكر.
والأمر نفسه مع نشرها تدوينة للداعية الإخواني نبيل الناصري، أحد أتباع يوسف القرضاوي وطارق رمضان، والذي تخرج من المعهد الأوربي للعلوم الإنسانية، الذي أسسه اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، تحت رعاية يوسف القرضاوي.
نعاين المعضلة ذاتها مع نشرها تدوينات للفكاهي الفرنسي ديودوني، من أصل كاميروني، وهو الذي قررت مؤسسة “يوتيوب” حجب رابط قناته، بسبب اتهامات بمعاداة السامية، ومعلوم أن هذا الموضوع بالذات حساس جداً في الساحة الفرنسية، لولا أن هذه التفاصيل غائبة كلياً في الجهاز المفاهيمي للشابة المعنية، بسبب حداثة سنها أولاً، وجعلها بتبعات هذه التفاصيل ثانياً، وهذه محددات تستغلها جيداً الدعاية الإخوانية في الاستقطاب والتغلغل والتوظيف، لدى الجالية المسلمة، وبالتالي إضافة أتباع جدد للمشروع الإخواني، دون أن يكونوا إخوان، ولهذا أصابت مقالة نعيم بستنجي سالفة الذكر، عندما اعتبر أن صفحة منال ابتسام بهذه المنشورات، أصبحت أشبه بصفحة عضوة في جماعة الإخوان المسلمين، منها إلى مسلمة لا علاقة لها بالمشروع، مضيفاً أن نموذج الشابة يُترجم “نجاح الإسلام السياسي في توظيف النساء المحجبات كحصان طروادة، حتى لو سعين إلى الظفر ببعض الحرية في صلب هذا التشدد الديني” معرباً في أن تكون هذه المحنة التي مرت بها [صدر المقال في 9 فبراير 2018]، فرصة لكي تبتعد من الإسلاموية وتقترب من روحانية الإسلام”، وهو ما تحقق لاحقاً بعد ابتعادها عن هذه الأجواء وهجرتها للخارج، حيث تقيم حالياً في ولاية كولورادو الأمريكية.
كلما كانت الجالية المسلمة واعية وعلى اطلاع بطبيعة الإسلاموية هناك، كلما تراجع مؤشر تورطها في هذه القلاقل التي هي في غنى عنها، والمعضلة الكبرى مع الإسلاموية في نسختها الإخوانية، أنها توظف التقية، ولا تكشف عن حقيقة مشروعها، بخلاف الإسلاموية المجسدة في حركة “الدعوة والتبليغ” أو “السلفية العلمية”، لأنه حتى إضافة إلى أنها أقلية الأقلية، على غرار الحالات الجهادية، وبالتالي هامشية جداً مقارنة مع الجالية المسلمة، إلا أنها لا تمارس التقية قط، بينما الأمر مختلف مع المعضلة الإخوانية، وليس نموذج الشابة منال ابتسام، إلا حالة فردية ولكنها معبرة عن بعض القلاقل الحقيقية التي تتسبب فيها هذه الإسلاموية للمسلمين هناك.

زر الذهاب إلى الأعلى