أخبار الدارسلايدر

لماذا يحتاج المغرب إلى المزيد من الموارد البشرية الطبية؟

الدار/ افتتاحية

إقرار وزير الصحة بحجم الخصاص الهائل الذي يعرفه القطاع في مجال الأطر الطبية خطوة جد هامة على مستوى الشفافية التي ينبغي التعاطي بها مع موضوع حساس يمثل عصب الانتظارات لدى المواطن المغربي. المغرب في حاجة إلى أكثر من 32 ألف طبيب وأكثر من 65 ألف من الأطر الطبية الأخرى. إنها أرقام هائلة تكشف حجم الهوة التي ترسخت منذ سنوات في هذا القطاع، وحوّلت الخدمة الصحية العمومية إلى أثر من بعد عين. كل المغاربة اليوم شاهدون على مدى الصعوبة بل والاستحالة أحيانا فيما يخص الحصول على خدمة طبية في القطاع العمومي. كما أنهم يشهدون يوميا كيف تحولت الخدمات الطبية إلى قطاع مذر للربح والدخل بشكل كبير للعديد من المستثمرين في هذ المجال.

وانطلاقا من هذ الواقع فإن ما يروج هذه الأيام من نقاشات حول القانون الخاص المتعلق بتنظيم مزاولة مهنة الطب، والذي يُفترض أن تسمح تعديلاته بولوج الأجانب لممارسة هذه المهنة بالمغرب، يعتبر مزايدات خالصة، لا ينبغي أن يبالغ فيها أصحابها حتى لا تتأكد الانطباعات الرائجة حول رفض اللوبي الطبي بالمغرب لمنافسة الأطباء الأجانب ورغبته في الاستحواذ على هذه الخدمة. من حق الأطباء عبر هيئاتهم ومجالسهم التمثيلية أن يدافعوا عن مصالحهم ويحصنوا قطاعهم من تدخل الطفيليين ومنعدمي الكفاءة، لكنهم لا يجب أن ينسوا أن المغرب مقبل على ورش ضخم يتمثل في تعميم التغطية الصحية على فئات واسعة محرومة من المغاربة، وأن الاستجابة لاحتياجات هذه الشرائح التي تعد بالملايين ستتطلب موارد مادية، وبالأساس موارد بشرية هائلة، لا تتوفر اليوم في القطاع.

نسبة التغطية للأطر الطبية في المغرب لا تتعدى 1.7 مهني لكل 1000 نسمة، وهو رقم هزيل بل كارثي. وفي ظل التعثر الذي لا يزال يعرفه مجال تكوين الأطباء والأطر الطبية بالمغرب، يعتبر اللجوء إلى خدمات الأطباء الأجانب حلا من الحلول التكميلية التي لا بد منها. وهو حل تنهجه بالمناسبة كل دول العالم تقريبا التي تقدم خدمات طبية شاملة عبر التغطية الصحية المعممة، في فرنسا وألمانيا مثلا يسمح للأطباء المغاربة بعد اجتياز اختبارات وتكوينات للمعادلة أن يمارسوا المهنة حتى في إطار التوظيف العمومي، كأطر بالمستشفيات العمومية بهذه البلدان. طبعا لا يجب أن يكون اللجوء إلى خدمات الأطباء الأجانب بالمغرب حلا رئيسيا، بل يجب أن يندرج في إطار استراتيجية شاملة لحل المعضلة البشرية في هذ القطاع، والتي تبدأ أولا بفتح المزيد من كليات الطب والمعاهد المتخصصة في مهن الصحة لتكوين أجيال من المهنيين القادرين على رفع تحدي تعميم الحماية والتغطية الصحية والاجتماعية.

لأجل ذلك فإن قضية تعديل القوانين المؤطّرة لمهنة الطب يجب أن تخرج من دائرة النقاشات الفئوية الضيقة وتتخذ أبعادا وطنية خالصة تتجاوب مع الأوراش الاجتماعية الكبرى المرتقبة. هناك تأكيد في النموذج التنموي الجديد على أهمية القطاع الصحي ليس فقط باعتباره خدمة اجتماعية يجب أن تضمنها الدولة لمواطنيها، ولكن أيضا باعتباره فرصة لخلق مئات الآلاف من مناصب الشغل وتحفيز الاستثمارات وتعبئة الموارد المالية والضريبية. وإذا كان هذا القطاع الواعد سيمثل في العقد القادم أحد رافعات التنمية البشرية والاقتصادية بالمغرب فإن إخراجه من دائرة الصراعات والمزايدات السياسوية يمثل الخطوة الأولى الضرورية من أجل التفكير جديا في صياغ ملائمة للقوانين التي تضمن حقوق جميع الأطراف دولة وأطباء ومرتفقين.

المغاربة في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للخدمات العمومية التي تضمن كرامتهم، وقد عانوا لعقود طويلة من نتائج الصراعات السياسية والسياسوية والنقابية التي عطلت الكثير من المشاريع والبرامج، ولذلك فإنهم اليوم لا يريدون أن يقعوا مرة أخرى ضحية هذه النزاعات في الوقت الذي يمكن لجميع الأطراف أن يساهموا وينتفعوا من عوائد هذا المشروع ماديا ومعنويا ورمزيا.

زر الذهاب إلى الأعلى