أخبار الدارسلايدر

الدار افتتاحية: برلين 2.. المغرب يختار سياسة المقعد الفارغ للرد على ألمانيا

الدار/ افتتاحية

في الأسبوع الأول من شهر يونيو الجاري وجهت جمهورية ألمانيا الاتحادية للمغرب دعوة رسمية لحضور مؤتمر “برلين 2” الذي افتتح اليوم الأربعاء حول الأزمة الليبية بمشاركة 16 بلدا من البلدان المعنية بالأزمة وعلى رأسهم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. مر عشرون يوما على توصل وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة بهذه الدعوة ليكون الرد اليوم بمقاطعة المؤتمر الثاني حول الأزمة الليبية ويغيب وزير الشؤون الخارجية عن مقعده في هذا المؤتمر. هذا الغياب الثاني يختلف عن التغييب الأول، لقد عمدت ألمانيا في مؤتمر “برلين 1” إلى تجاهل المغرب وعدم توجيه دعوة رسمية له لحضوره على الرغم من أنه أقرب من ألمانيا نفسها إلى ليبيا، وتجمعه بها علاقات ثقافية وتاريخية عريقة، ناهيك عن احتضانه لأهم مفاوضات الأطراف الليبية في الصخيرات.

واليوم يختار المغرب الغياب بمحض إرادته ردا على العجرفة الألمانية، وعلى تعمد برلين لإقصاء المغرب على الرغم من كل الأدوار الدبلوماسية التي لعبها في السابق ولا يزال يلعبها من أجل تهدئة الأوضاع في ليبيا وتسهيل المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين الفرقاء المعنيين. وشتان بين الغياب والتغييب. فالمغرب يعرف جيدا معنى سياسة “المقعد الفارغ” التي سبق أن نهجها لسنوات طويلة في علاقاته مع الدول الإفريقية التي فكرت وقررت ذات يوم بإيعاز من الجزائر أن تحتضن الانفصاليين وتمنحهم عضوية مزعومة. لقد مرت سنوات طويلة على مقاطعة المغرب لمنظمة الوحدة الإفريقية إلى أن قرر ذات يوم أن يعود إليها مظفرا ويحظى الملك محمد السادس في مؤتمر من مؤتمراتها باستقبال تاريخي. ما الذي خسره المغرب من مغادرة مقعده في منظمة الوحدة الإفريقية وما الذي ربحته بعض الدول الإفريقية من إيواء الانفصاليين ومنحهم مكانة مزعومة؟

هذا الوضع هو نفسه اليوم الذي يريد المغرب أن يبعث من خلاله رسالة واضحة لجمهورية ألمانيا الاتحادية. إن المغرب لا يستجدي ولا يتسول مكانة مزعومة، لأن هذه المكانة أصبحت اليوم واقعا إقليميا وعربيا وإفريقيا معروفا لدى جل القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وليس لألمانيا أن تقرر إبعاده أو تقريبه متى شاءت أو أرادت. إن غياب المغرب الإرادي عن مؤتمر “برلين 2” يبعث برسالة صريحة إلى ألمانيا بأن الأوان قد فات للتغطية على خطأ مقصود شهدته النسخة الأولى من المؤتمر، عندما استدعت برلين مختلف البلدان القريبة والبعيدة، بل وحتى تلك التي لا علاقة لها بليبيا من قريب أو بعيد، وتعمدت إقصاء المغرب في سياق استراتيجية مبيتة ضد المغرب ومصالحه. لقد تبينت هذه النوايا الألمانية السيئة عندما كانت ألمانيا الدولة الوحيدة في العالم التي سارعت إلى المطالبة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي من أجل النظر في قضية اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء.

إن مقعد المغرب الفارغ في مؤتمر “برلين 2” لا يمثل أي خسارة بالنسبة له، وإنما هو خسارة للأطراف الليبية وللمتدخلين في هذا النزاع، الذي تحاول ألمانيا وغيرها من القوى الإقليمية كتركيا أو فرنسا أن تستغله لضمان نصيبها من الكعكة النفطية ومن امتيازات استغلال سواحل المتوسط. وإذا كان المغرب قد استاء من عدم استدعائه في “برلين 1” فهو لم يفعل ذلك خوفا على مصالح مادية أو اقتصادية كتلك التي تحرص عليها ألمانيا وغيرها من القوى الغربية، لأنه لا يمتلك منصات للتنقيب عن النفط أو الغاز، ولا شركات عالمية لتوزيع المحروقات، وإنما دافعه الأساس من اهتمامه بالشأن الليبي هو تلك الاعتبارات القومية والتاريخية من أجل الحفاظ على استقرار ليبيا، ومن ثمة الحفاظ على استقراره وأمنه المشروع.

زر الذهاب إلى الأعلى