الرأيسلايدر

مرحلة ما بعد “العدالة والتنمية” والبحث عن بدائل سياسية إصلاحية

منتصر حمادة

كيف يمكن أن تستفيد النخبة الإصلاحية البديلة، أياً كانت مرجعيتها، من خيبة أمل المغاربة في أداء حزب “العدالة والتنمية”، على هامش تقييم أداء الحزب في حكومة “ما بعد الفوضى الخلاقة”، والحكومة الموالية لها؟
هذا سؤال متداول بشكل أو بآخر، في كواليس في الساحة البحثية والسياسية أيضاً خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد منعطف 31 يوليو 2019، عندما أعلن الملك محمد السادس في خطاب عيد الشباب عن فشل النموذج التنموي المغربي، وحتمية الاشتغال على نموذج تنموي بديل، وهو النموذج الذي أُعلِنَ رسمياً عن مضامينه منذ أسابيع.
تزداد وجاهة السؤال أعلاه، عند نأخذ بعين الاعتبار بعين الاعتبار أن نخبة حزب العدالة والتنمية، تتحمل مسؤولية بشكل أو بآخر في الوصول إلى هذه النتيجة التي جاء عنوانها الصريح في الخطاب الملكي، ضمن مجموعة من النخب الموازية، وأخذاً بعين الاعتبار أيضاً التفاعل المنتظر لنخبة الحزب المعني مع تفعيل هذا مقتضى النموذج التنموي البديل، نتوقف عند نموذج تطبيقي، وبالتالي عملي، حتى لا نتيه مع كثرة الأمثلة، خاصة أن الأمر هنا يهم الحزب الذي يقود الحكومة الحالية، والذي كان يقود الحكومة السابقة، وبالتالي، يتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية أكبر مقارنة مع باقي الأحزاب السياسية.
قبل التوقف عند هذا النموذج التطبيقي، رُبّ معترض أن كون حكاية تحمل المسؤولية السياسية والحزبية عن تدبير أوضاع الساحة، أكبر من إسقاطه على حزب سياسي واحد، وهذا اعتراض يُروج في كواليس الحزب الإسلامي، أو في تدوينات الكتائب الإلكترونية التابعة له، سواء كانت موظفة في المشروع، أو متعاطفة معه، أو تمارس التقية، والحال أن هذا اعتراض يندرج في سياق التضليل الإيديولوجي، لأنه يساهم في صرف النظر عن مسؤولية سياسية يتحملها الحزب المعني، خاصة أنه يقود العمل الحكومي وليس حزباً في المعارضة، ولو كانوا صادقين في هذا الاعتراض، ما عليهم سوى تقديم استقالة جماعية من التدبير الحكومي والتدبير في الجماعات المحلية، وباقي مؤسسات الدولة، السياسية والتعليمية والدينية وغيرها، وهذا ما لم يتحقق، ولن يتحقق، إلا عند الذين تعرضوا لتأثير خطاب الازدواجية أو التقية، بتعبير أدبيات بعض الحركات الإسلامية.
نأتي إذاً، للنموذج التطبيقي، حيث أعلن في منذ يومين، في مدينة القنيطرة، عن أن عمدة المدينة، سيترشح باسم حزبه “الإسلامي” في الاستحقاق الانتخابي القادم، أي انتخابات سبتمبر 2021.
هذا شأنه، حتى لو كان يرفع شعار “المرجعية الإسلامية” أو “المرجعية الحداثية”.. إلخ، فهذا شأنه في نهاية المطاف، لولا أن الأمر يتعلق هنا بعمدة مدينة ووزير أيضاً، بمعنى مسؤوليته مضاعفة في الملاحظة أعلاه، وبالرغم من ذلك، لا زال مصراً على البقاء في الساحة.
يجب التذكير بداية أن نسبة من ساكنة المدينة المعنية، فقدت الأمل في التغيير إلى درجة أنها ترفع شعار “الله ياخذ الحق” [كذا]، وقد سمعنا هذا الدعاء، مراراً، ولكن بما أنه لا يمكن توثيق هذه الإشارة الغيبية بشكل إحصائي، سوف نتركها جانباً.
موازاة مع إعلان العمدة/ الوزير “الإسلامي” الحركي، أعلن رسمياً، عن فوز فريق من مدينة المحمدية، بكأس العرش في “الفوت صال”، أي كرة القدم المصغرة، محققاً الثنائية، بعد فوزه في البطولة.
والحال أن هذا الفريق، أو نواته المؤسسة، جاءت من مدينة القنيطرة، والتي يقودها العمدة المعني، لأن هذه المدينة بالذات، معروف عنها ريادة هذه الرياضة وطنياً، حتى إنها تجسد نواة المنتخب الوطني في الرياضة نفسها، بل إن مدرب المنتخب الوطني من المدينة نفسها، وهو المنتخب الفائز بآخر نسخة من بطولة إفريقيا والبطولة العربية. بمعنى أن فقدان الأمل لدى هذه الفئة من الشباب، وهي بطلة اليوم، جعلها تلعب لفريق مدينة منافسة.
المؤسف هنا، أنه يمكن لمثل هذه الوقائع، أن تساهم في تكريس العزوف الانتخابي، الذي للمفارقة، يصب في مصلحة العمدة وغيره، وباقي الرموز التي تتحمل مسؤولية نسبية، صغيرة أو كبيرة، في مخارج النموذج التنموي السالف.
بالعودة إلى السؤال الذي افتتحنا به المقالة، أي سُبُل الاستفادة من خيبة أمل المغاربة في أداء حزب “العدالة والتنمية”، على هامش تقييم أداء الحزب في حكومة “ما بعد الفوضى الخلاقة”، والحكومة الموالية لها، نزعم أن المشاركة بكثافة في الاستحقاق الانتخابي، يُعتبر باباً من أبواب التصدي لازدواجية هذا المشروع من جهة، وباباً من أبواب الاستفادة من فشلهم في التدبير الحكومي، أقله المساهمة في ظهور نخب حزبية بديلة، وما أكثر الطاقات النوعية التي تعج بها الساحة المغربية، والتي تنتظر فرصتها للعمل النافع، الذي يفيد المجتمع، وبالتالي يُفيد الدولة الوطنية، أولاً وأخيراً.
هذا في الشق الخاص بالحقل الحزبي والسياسي، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود جبهات أخرى، إن صح التعبير، تتطلب حضوراً نوعياً، من أجل مواجهة آثار تزييف الوعي الذي تعرض له الرأي العام المغربي، والذي عاينا العديد من آثاره في عدة محطات خلال العقد الأخير، ولن تكون آخر تلك المحطات، ما جرى مع تفاعل نسبة كبيرة من النخبة الدينية في مؤسسات الدولة، مع زيارة بابا الفاتيكان للمغرب، بين 30 و31 مارس 2019، فالأحرى تعامل الرأي العام، ضمن محطات أخرى، سبقت منعطف الخطاب الملكي ليوم 31 يوليو 2019.
من بين هذه الجبهات، نذكر جبهة تنوير الرأي العام، في حقل أو مجال تجديد الخطاب الديني، جبهة المساهمة النظرية في صيانة الدولة الوطنية، جبهة المصالحة مع تديّن عامة وخاصة المغاربة، لأنه تديّن ثقافي، فطري، بعيد عن الغلو الديني والمادي، وهذا اختبار فشلت فيه سابقاً المرجعيات اليسارية، وفشلت فيه مؤخراً المرجعيات الإسلامية الحركية، لأنها تنهل من تديّن يمكن وصفه بأنه ّشاذ ثقافياً” مقارنة مع تديّن عامة وخاصة المغاربة، من قبيل تعاملها مع التصوف المغربي، ضمن أمثلة أخرى، إضافة إلى أهمية الاشتغال على جبهات أخرى، شرط أن تكون الأصوات الإصلاحية البديلة، واعية بهذه التحديات، حتى تشرع في الاشتغال عليها، لأنه اتضح للجميع، تواضع أو فشل المشروع الإسلامي الحركي، وبالتالي، ينتظر الشارع أو العامة، بدائل نظرية وميدانية، نوعية ونافعة.

زر الذهاب إلى الأعلى