أخبار الدار

الحراك الجزائري يضع الخارجية أمام اختبارات صعبة

الدار/ تحليل: رشيد عفيف

تمر الخارجية المغربية باختبار سياسي غير مسبوق بسبب التطورات التي تعرفها الجارة الجزائر. حراك مفاجئ ومنظم، وإصرار من الجماهير على الذهاب بعيدا في مطالب إسقاط النظام، وغموض في مصدر ومصير هذه الاحتجاجات، وغياب المخاطب الرسمي، كلها اعتبارات تضع المغرب أمام تحديات كبيرة لتدبير التداعيات المحتملة لهذا الحراك. وتبدو السلطات المغربية اليوم في وضع شبيه بوضع السلطات الجزائرية بالنظر إلى وحدة المسار والمصير بين البلدين الجارين.

هذه التحديات التي تواجه المغرب والجزائر على حد سواء هي التي دفعت سلطات الرباط إلى الاستمرار في إعلان الحياد في انتظار عودة الهدوء والاستقرار والرجوع إلى الوضع القائم المريح للجميع. وفي هذا السياق يأتي تأكيد المغرب يوم السبت، موقفه بـ"عدم التدخل" في الشؤون الداخلية للجزائر على خلفية التظاهرات التي يشهدها هذا البلد منذ 22 فبراير، بحسب ما أفاد وزير الخارجية ناصر بوريطة.

وكان بوريطة قد صرح لوكالة "فرانس برس" بأن "المملكة المغربية قررت اتخاذ موقف بعدم التدخل في التطورات الأخيرة بالجزائر وعدم إصدار أي تعليق حول الموضوع". وأضاف "ليس للمغرب أن يتدخل في التطورات الداخلية التي تعرفها الجزائر، ولا أن يعلق عليها بأي شكل من الأشكال". وقد لزمت السلطات المغربية الصمت منذ انطلاق المظاهرات الرافضة لعهدة خامسة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. كما رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي الخميس الماضي الإجابة على سؤال عن الموضوع أثناء لقائه الأسبوعي مع الصحافة.

وتكشف تصريحات ناصر بوريطة عن حجم الضغوطات التي تمثلها التطورات الجارية في الجزائر بالنسبة للخارجية المغربية. فقد اضطر الوزير إلى الرد بلهجة حادة على ما سماه محاولات بعض وسائل الإعلام بفرنسا والجزائر توريط المغرب في تعليقات لا أساس لها من الصحة، منسوبة لمصادر مجهولة من الوزارة أو مصادر دبلوماسية أو خبراء. واستغرب بوريطة من الأخبار المنشورة التي يتم نسبها للدبلوماسية المغربية، مضيفا، "المغرب يرفض الادعاء بكونه ينسق مع بلدان أخرى خصوصا فرنسا، بخصوص ما يقع في الجزائر، ولم نقم بأي اتصال مع باريس أو أي بلد آخر حول هذا الموضوع".

وتظهر هذه التصريحات أن وزارة الخارجية تواجه تحدي إثبات الحياد المغربي في ما يخص حراك الجزائر. واستغلت بعض وسائل الإعلام الجزائرية والفرنسية الزيارة التي يقوم بها الملك محمد السادس إلى فرنسا للترويج لاتهامات التنسيق بين الرباط وباريس حول ما يجري في الجزائر. ويعتبر إثبات الحياد من الصعوبة بما كان للسلطات المغربية بالنظر إلى الإرث التاريخي الثقيل للعلاقات بين البلدين، واستمرار النظام الجزائري الحالي في نهج سياسة تصدير الأزمات الداخلية وتعليقها على مشجب المؤامرات الخارجية. وكان قائد أركان الجيش الشعبي الجزائري الفريق قايد صالح قد ربط في أول تعليق له على المظاهرات المناهضة للعهدة الخامسة بين الحراك الداخلي وبين المؤامرات الخارجية التي تستهدف أمن واستقرار الجزائر. كما لعبت المخابرات الجزائرية في بداية الحراك لعبة توريط المغرب بالترويج لشعار "بوتفليقة المروكي" لكن سرعان ما تنبه المتظاهرون إلى الفخ وتراجعوا عن تبني هذا الشعار.

وتزداد التحديات الدبلوماسية تعقيدا بالنسبة للخارجية بالنظر إلى أن الحراك الجزائري يتزامن مع استئناف لقاءات الطاولة المستديرة حول الصحراء  بين المغرب والبوليساريو بحضور الجزائر وموريتانيا في نهاية الشهر الجاري. ورغم احتمال استفادة الموقف المغربي في هذه المفاوضات من تضعضع موقف الجزائر والانفصاليين بالنظر  إلى الضعف الذي يعيشه اليوم النظام الجزائري إلا أن مسار الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة قد يواجه نوعا من الفراغ الذي تطرحه إمكانية تأزم الوضع الداخلي في الجزائر.

وفي مقابل هذا الوضع المفاجئ وغير المريح فإن الخارجية المغربية قد تستفيد في تجاوز هذه التحديات من رصيد المبادرات الدبلوماسية الملكلية التي كان آخرها  دعوة الملك محمد السادس في نونبر الماضي في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء إلى إيجاد "آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور" بين المغرب والجزائر لتحسين العلاقات نحو الأفضل. ومن هذا المنطلق تأتي القراءة المتفائلة لتداعيات الحراك الجزائري الذي قد يمثل فرصة تاريخية غير مسبوقة لتطبيع كامل للعلاقات المغربية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى