الدين والحياةسلايدر

موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. شذوذ فكري يقتضي بلورة خطابات بديلة أصيلة للدين

الدار- المحجوب داسع

في بادرة تروم بلورة خطابات أصيلة، ومعتدلة، تفكك خطابات التطرف والكراهية والعنف، وتروم تمنيع الناس، وخاصة الشباب من السقوط في براثنها، أصدرت منظمة “الإيسيسكو” الجزء الأول من موسوعة “تفكيك خطاب التطرف”، بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء.

وتعد هذه الموسوعة استمرارية للدفاتر التي أصدرتها الرابطة المحمدية للعلماء في السنوات الماضية، والتي قدمت مداخل لتمنيع الناشئة والشباب من خطابات التطرف والعنف والمفاصلة، بعد تفكيك عدد من المفاهيم ذات الصبغة الشرعية التي تستند اليها التيارات المتطرفة للدعوة إلى التطرف والكراهية والإرهاب، من قبيل: الجهاد، الجزية، الخلافة الإسلامية، القتال في سبيل الله ونصرة المستضعفين، والحاكمية، وغيرها.

ونظرا لأهمية هذا المنجز العلمي الأكاديمي، في سياق يعرف تنامي خطابات التطرف والإرهاب على الصعيد العالمي، سيلتقي قراء موقع “الدار” يوميا في حلقات ستخصص لمفهوم من المفاهيم التي تتناولها هذه الموسوعة العلمية، أملا في توضيح مدلولاتها، ومعانيها الأصيلة في الكتاب والسنة، واسهاما من الموقع في النهوض برسالته الإعلامية النبيلة الهادفة الى بث معرفة دينية آمنة خالية من الألغام.

التطر ف.. شذوذ فكري، وانحراف منهجي

يقول الدكتور محمد لمنتار، رئيس مركز “الدراسات القرآنية” والأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، ان ” التطرف يستبطن، بما هو تجاوز لحد ّ الاعتدال، غلو ًا ّ وتشددا ّ وتنطعاً، وهي جميعها أوصاف مذمومة جرى النّهي عنها شرعاً بصيغ مختلفة في القرآن والسنة النبوية العطرة”.

وأبرز الدكتور محمد لمنتار في مقال علمي موسوم بعنوان ” التطرف.. شذوذ فكري، وانحراف منهجي ـ مقاربة في تفكيك المفهوم” أن ” مرد أسباب الفهم الغالي لأصول الدين، تحريف المفاهيم الأصيلة في الإسلام، وتأويل دلالتها الشرعية، تأويلاً ً فاسدا ّ متفلتاً، وغير ملتزم بالأسس والضوابط الشرعية المعتبرة، وفي مقدمة هذه المفاهيم التي لحقها التحريف والانتحال من لدن أهل المروق: مفهوم الجهاد، ومفهوم القتال، ومفهوم الأمر بالمعروف، ومفهوم النّهي عن المنكر، ومفهوم دار الكفر، ومفهوم دار الإسلام، ومفهوم احتكار الوعد الإلهي، ومفهوم الطاعة، ومفهوم الدعوة، ومفهوم الاستعلاء به على الناس.

وبعد أن استعرض رئيس مركز “الدراسات القرآنية” بالرابطة المحمدية للعلماء، انتباه عدد من علماء الأمة إلى هذه الفجوة العلمية، وما ينبني عليها من شذوذ في الفكر والمنهج، أكد أنه لاريب أن النّزوع للتطرف والتوسل بأساليب العنف والإرهاب، لا يختص به مجتمع دون آخر، ولا حضارة أو ثقافة دون غيرها، ولا دين دون سواه”، مبرزا أن ” الإسلام ولمواجهة هذه الظاهرة اعتمد نهجاً في التبليغ، والدعوة، والمناصحة، واضح المعالم، يقوم على «الحكمة والموعظة الحسنة”.

واعتبر الأستاذ الجامعي بكلية الآدب بالمحمدية أن ” إيديولوجيا العنف والتطرف، تعبر عن شذوذ فكري ّ تصوري ّ ، وانحراف منهجي عن جادة الهدي الإلهي مهما كانت المبررات، كما تقوم على جهل مركب بأصول الدعوة، وذهول مريع عن منهجها ومقاصدها وفلسفتها؛ جهل بأن الأصل في الإيمان؛ العلم والإرادة والاختيار الحر”.

التطرف جهل بمقاصد الدين الإسلامي

وأوضح الدكتور محمد لمنتار أن ” هذا الجهل المركب ينبني على عدم معرفة بمقاصد الدين، وجهل بأن سنّة الله في الارتقاء بالذات والمجتمع، هي التدرج والتذرع بالدفع والدعوة بالتي هي أحسن، غير أن الجماعات المتطرفة، تقفز على كل ّ ذلك، وتستغل ّ القلق الوجودي ، والفراغ الروحي ّ والنفسي، من خلال نزعتها الطهرية والوثوقية، فتعد الناس بتقديم حلول جذرية وناجزة، للأوضاع المختلة القائمة، التي

يتم وصمها بالفساد والزيف، والظلم، والانحلال، والجاهلية، وغير ذلك من المقولات، لدعوة

الناس إلى الخروج والسعي في الأرض فسادا، إزهاقاً للأرواح، وترويعاً للناس، وإهلاكاً للحرث

والنّسل”.

وأشار ذات المتحدث الى أن ” مظاهر التطرف والتعصب والغلو، إنما تستفحل وتفشو باستفحال وفشو مظاهر التخلف في مختلف مجالات الفعالية الاجتماعية (التعليم، والتربية، والثقافة، والتنمية، والإنتاج،

والسياسة، والاجتماع الإنساني بوجه عام)؛ إذ كلما استفحل فقر المجتمعات الإنسانية من الوجهة

الاقتصادية ّ /المادية، والمعنوية/الرمزية، والأخلاقية/الجمالية، ازدادت إمكانية نزوع أفرادها

للتطرف والتعصب والطائفية، ومن هنا وجب اعتبار هذه الأضرب من القصور، ثغرات أولوية،

لا ّ بد من العكوف المسؤول لسدها والحيلولة دون أضرب الفتن التي تتسرب منها”، يضيف كاتب المقال.

وتابع الدكتور محمد لمنتار أن “التطرف والإرهاب في السياق العولمي المعاصر يمثل خطرا ّ يهدد العالمين، ويسكنهم في خانات الخوف، والجوع، والفوضى، والفتنة؛ والفتنة أشد من القتل. ولذلك فقد انعقد الإجماع عالمياً على إدانة الإرهاب باعتباره عملاً ً منافياً للدين، ومنافياً لمنظومة القيم الإنسانية، ومدمرا

لأسس المدنية والحضارة والعمران”.

وأبرز أن ” أي تبرير لتسويغ الإرهاب وإضفاء الشرعية عليه، لا يجدي فتيلا، ولو كان بدافع المنافحة عن حقوق مشروعة؛ لأن الشر ّ لا يمكنه أن يبر ّ ر الشر، كما أن الظ ّ لم لا يتم رفعه بظلم من جنسه

أو أفدح منه؛ وإلا انتفت معيارية الحق والعدل في العالم، وانعدمت شروط إرساء أسس اجتماع إنساني ّ يسوده السلام والأمن والاستقرار.

وخلص رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء الى أن ظاهرة التطرف والتعصب والإرهاب، لا ترتبط ارتباطاً تلقائياً وعضوياً، بأي شعب أو ثقافة أو دين، وإنما هي ثمرة جملة من الانسدادات التاريخية والحضارية والثقافية والدينية، والمآزق والصراعات السياسية التي لم يبدل الوسع المطلوب لفهمها وتفسيرها وتكييفها في أفق معالجتها وتجاوزها، كما أن أغلب هذه الانسدادات، نتيجة خيارات سياسية واستراتيجية خاطئة”.

بلورة خيارات أصيلة ووظيفية بديلة لخطاب التطرف

ودعا الدكتور محمد لمنتار إلى مواجهة ظاهرة الإرهاب، والحد ّ من تأثيراتها المدمرة، إلا من خلال الإبداع في مجال بلورة خيارات أصيلة ووظيفية، وأكثر فاعلية واستلهاماً للقيم الأخلاقية الضامنة للحرية والمساواة والعدل والكرامة الإنسانية، على شاكلة يتيسر معها العيش المشترك الباني، الذي يضمن الارتقاء المستدام، من الموجود إلى المنشود، كما يرضي الله تعالى، ويخدم مصالح العباد، وبالتالي، فإن المواجهة الناجعة لظاهرة التطرف، بمختلف تمظهراته الطائفية والعصبية والإيديولوجية، لن تتأتى إلا باعتماد مقاربة مندمجة وشاملة ومتكاملة تجمع بين:

أولا ـ المعالجة العلمية والمعرفية، المستلهمة لروح القرآن المجيد ومقاصده السامية، الداعية إلى إعمال النظر العقلي، أساساً للإيمان وللفعل في التاريخ.

ثانيا ـ المعالجة العلمية والمنهجية، المستمدة من رياض السنّة النّ ّ بوية الشريفة والسيرة النبوية العطرة لخاتم الأنبياء والمرسلين، الذي يعد ّ الأسوة والأنموذج السوي، الذي ينبغي إرجاع سلوك الفرد والجماعة إلى ميزانه.

ثالثا ـ المعالجة المضمونية، القادرة على تفكيك خطاب التطرف، وإنتاج خطاب بديل، وجاذب، منبني على الأصول المعتبرة في شريعة الإسلام، ومنطلق من الرؤية الكلية للعالم كما حددها الوحي الخاتم.

رابعا ـ المعالجة التعليمية والتربوية المعززة للوعي النّقدي ّ من خلال شتى مؤسسات التربية

والتكوين والتنشئة الاجتماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى