الرأيسلايدر

أخلاق وحكمة المغرب أكبر من رد فعل الأشقاء…

بقلم: يونس التايب

بعد ثمان و أربعين ساعة على تعبير المملكة المغربية عن استعدادها لوضع إمكاناتها رهن إشارة السلطات الجزائرية، لدعم جهود إخماد الحرائق التي أتت على الأخضر و اليابس في عدة مناطق، يتأكد أن التفاعل الجزائري سيكون، مرة أخرى، سلبيا مع مبادرة تجسد عمق القناعة التي عبر عنها جلالة الملك، في خطاب العرش الأخير، بقوله لأشقائنا أن “ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”.

صراحة، كنت أمني النفس، في هذا الموضوع بالضبط، أن تتغلب الحكمة على منطق “النيف”، لأننا بصدد وضع إنساني لا يحتمل الغرور و الحسابات الصغيرة، بل يستدعي التحرك العاجل لإنقاذ الأرواح. لكن، يبدو أن للدولة الجزائرية حساباتها، و هي مصرة على رفض اليد الممدودة من المغرب، في مقابل قبول أي دعم يأتي من أي جهة أخرى غير الجار الغربي.

بالتأكيد، ما يجري هو استمرار للمنطق الغالب، منذ يوم 31 يوليوز، حيث لم ترد أية إشارة إيجابية تبين أن رسائل المغرب تصل و يتم استيعابها. في حين شاهدنا توالي التصريحات و التدوينات البئيسة، و المقالات الصحفية الأكثر بؤسا، لجهات لا ترى مصلحتها في تحسين العلاقات مع المغرب. و هو ما يبرر مشروعية إحساسنا بالتشاؤم حيال قدرة الدولة الجزائرية على تجاوز “عقدة” المغرب، و التقاط اللحظة التاريخية وما تتيحه الأيادي البيضاء الممدودة نحوها من خير.

في هذا السياق، كان لافتا للانتباه، الحديث عن وجوب تقديم المغرب “الاعتذار” عن أخطائه في حق الجزائر. و قد جعلني ذلك الأمر، أتساءل عن القصد من ذلك الكلام. هل علينا نعتذر للجزائريين على أنهم يسلحون ميليشيات انفصالية، منذ سنة 1975، ليقتلوا بها أبناءنا في الصحراء المغربية؟ أم نعتذر لأن الجزائر شجعت محاولات انقلابية تخريبية ببلادنا، في بداية السبعينيات ؟ أم نعتذر لأن الرئيس الجزائري “بوخروبة” قام، سنة 1975، بتجريد حوالي 45.000 أسرة مغربية من كل ممتلكاتها، و رمى بأفرادها على الحدود بين المغرب و الجزائر، صبيحة يوم عيد الأضحى؟

بشأن ماذا يجب أن نعتذر بالضبط ؟ هل نعتذر لأن إرهابيين من أصول جزائرية، تورطوا في تفجيرات فندق أطلس أسني بمراكش سنة 1994 ؟ أم نعتذر لأن الديبلوماسية الجزائرية “ناضلت” في منظمة الوحدة الإفريقية كي يتم القبول بكيان انفصالي، وهمي لا وجود له في جغرافيا القارة، يهدد الوحدة الترابية للمملكة تحت مسمى “الجمهورية الصحراوية”؟ أم لكون الجزائر ظلت، لأكثر من 45 سنة، تصرف ملايين الدولارات من أجل تمويل حملات تحريضية ضد المغرب، عبر عدد من وسائل الإعلام و المنظمات الدولية؟ أم، ربما، علينا أن نعتذر عن الكم الهائل من الإساءات غير المسبوقة، التي تنشرها الصحف و المواقع الإلكترونية الجزائرية، للتهجم على المملكة المغربية و على رموزها و مؤسساتها ؟

من يا ترى عليه الاعتذار ممن ؟ ومن يجب أن يستحي من نفسه، أمام التاريخ و أمام شعبي البلدين الشقيقين، بسبب ما فعله و لا زال يفعله من إعاقة للتعاون و التنمية؟

على كل حال، رغم أن من عليه الاعتذار معروف بشكل لا غبار عليه، إلا أن بلادنا لم تطلب الاعتذار و لا تنتظره من أحد، لأن يقيننا هو أن المستقبل تصنعه العزائم المتعالية على الأخطاء و هفوات الماضي، و أن الثقة تبنيها الأخلاق الأصيلة التي تجسدها المملكة المغربية عبر دعواتها للتعاون و التقدم إلى الأمام، و استمرار المبادرات التضامنية المغربية كلما نزلت المصائب بالأشقاء الجزائريين.

و أظن أن الحكمة هي أن نستمر بنفس الروح، و لا ندع تصريحات الرئيس الجزائري في حواره التلفزي، و ما قاله في خطابه عن الحرائق المندلعة، تعزز التشاؤم و تغلق باب الأمل. بل المطلوب هو التزام الثقة في النفس في كتاباتنا و تفاعلاتنا، دون الانجرار للرد على سجالات استفزازية جزائرية لا فائدة فيها. و مسؤوليتنا كسياسيين و كتاب رأي و مؤثرين مغاربة، كبيرة في هذا الباب. و هي تقتضي منا السمو في التعاطي مع ما يمس الشعب الجزائري الشقيق و التضامن معه في مآسيه. من جهة، لأن الوضع الإنساني الدقيق الذي أحدثته الحرائق و الخسائر في الأرواح يلزمنا أخلاقيا بذلك. و من جهة أخرى، لسنا نحن من يقبل السقوط في نفس المستنقع اللاأخلاقي الذي سقط فيه كثير من المتحدثين من الضفة الأخرى، الذين ينشرون ما تريده جهات تحمل الشر و تضغط على الدولة الجزائرية كي لا ترد بشكل إيجابي على المبادرات المغربية.

سيبقى موقفنا الحكيم و الأخلاقي هو الأهم. و سيسجل التاريخ، و معه كل الضمائر الحية في الجزائر، أن ملكنا هو من جسد الحكمة من خلال تقديم رؤية واضحة لتصحيح الوضع المختل في العلاقة المغربية الجزائرية، و هو من سعى إلى إعادة الأمور لما يجب أن تكون عليه، خدمة لتنمية و تطور بلدينا. لذلك، سنستمر في اعتزازنا بسمو الأخلاق و الحكمة التي تميز قيادة بلادنا، و لن نتأسف أكثر من اللازم على رد فعل الأشقاء، لأنه مرهون بتجاذبات خاصة لا مسؤولية لنا عنها، لأننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية للأشقاء و لا نحرض ضدهم، بل نؤمن أن “أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره”.

بدون شك، سنكتب ما نعتقد فيه نفعا لوطننا، أولا، و ما فيه تعزيز لقيم الأخوة مع أشقائنا، طالما لم يتم التطاول على وطننا و ثوابتنا و رموزنا. و سنطلب الحفظ و السلامة للشعب الجزائري، و أن يتغلب على هذه الحرائق المهولة التي تدمي القلوب. و سنظل متفائلين بالمستقبل، نترقب فتح الحدود الذي ستفرضه تحديات جيوستراتيجية قادمة، و نرحب بإخواننا الجزائريين ليروا واقع دولة مغربية تتقدم سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، و تسعى للاندماج الاقتصادي و تحقيق التنمية و السلم لشعوب محيطها الجهوي و القاري، على عكس ما تروجه بروباجندا الإعلام الجزائري عن “عدو” تمت صناعة الوهم بشأنه، لصرف الأنظار عن وضع داخلي يسوده التخبط بشكل لا يسر عدوا و لا صديقا.

زر الذهاب إلى الأعلى