أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: لماذا انتقد الملك ألمانيا ونوه بالمفاوضات مع إسبانيا؟

الدار/ افتتاحية

منذ شهور قليلة فتح المغرب جبهات مواجهة دبلوماسية قوية، وُصفت بمعركة كسر العظام، مع العديد من بلدان المنطقة، وعلى رأسها بعض دول الاتحاد الأوربي. بدأ الأمر بإسبانيا ثم ألمانيا، ثم وصل إلى مواجهة مع جهات متآمرة في فرنسا، خاصة في الأوساط الإعلامية، ناهيك عن تلك المواجهة التي لا تكاد تنتهي ضد مؤامرات الجزائر وبعض المنظمات التي تمولها هنا وهناك. كل هذه المعارك خاضها المغرب في سياق أزمة صحية وركود اقتصادي يضرب العالم، ولم يلتفت بتاتا في مسعى الكرامة والكبرياء، إلى أي تبعات يمكن أن تنتج عن ذلك.

وقد أظهرت السلطات المغربية لدول الاتحاد الأوربي أنها تمتلك الكثير من أوراق الضغط بحكم الموقع الجغرافي المتميز للمغرب باعتباره البوابة الرئيسية نحو إفريقيا، وصمام أمان للاستقرار في منطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي. كان المغرب في الفترة نفسها التي يخوض فيها هذه المواجهات الدبلوماسية قادرا على عقد اتفاق تطبيع تاريخي مع إسرائيل وتكريس واقع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، واستقبال الهيئات القنصلية الجديدة التي فتحت بالأقاليم الجنوبية. وبدا ان عنوان كل هذه التطورات هو أن المغرب قادر على إحلال الأمن والسلام مثلما هو قادر على المواجهة والتصدي لكل المحاولات الهادفة إلى وقف مسيرته التنموية والديمقراطية أو إعاقة وحدته الترابية.

وقد كانت إشارة الوئام والتطبيع واضحة في الخطاب الملكي التاريخي بمناسبة ثورة الملك والشعب، عندما نوه الملك محمد السادس بالعلاقات المغربية الإسبانية، معلنا عن تقدم التفاوض مع الجارة الإيبيرية من أجل بناء علاقات بناءة ومتوازنة. وقد كان نعت التوازن هنا أساسيا وضروريا للتأكيد على أن المغرب لن يقبل في المستقبل أن يتم الطعن في وحدته الترابية أو تهديد مصالحه مهما كانت الدولة التي تقف وراء ذلك. لقد تمت إعادة النظر في الأسس والمحددات التي تحكم العلاقات مع مدريد، وستتمخض تلك المفاوضات بالتأكيد عن مرحلة جديدة مختلفة، ولن تعود مثلما كانت في السابق.

لكن لماذا حرص الملك محمد السادس على التذكير بهذه المفاوضات والطابع المتفائل والإيجابي الذي يحيط بها؟ من الواضح أن الملك كان يريد أن يؤكد في الوقت نفسه لبعض القوى الأوربية، وعلى رأسها ألمانيا، أنه قادر مثلما سبق الذكر على خلق الانسجام والوئام مع الجيران مثلما هو قادر على التحدي والمواجهة بل وتجميد كل العلاقات في غياب الاحترام المتبادل والتعامل المتوازن، الذي يعطي لكل طرف حقوقه دون أي تنازلات أو حيف.

ومن المؤكد أن الإشارة الملكية للملف الإسباني على أساس أنه لا يزال تحت المفاوضات دليل آخر على أن لا شيء انتهى فيما يتعلق بتجميد الأوضاع في انتظار التوصل إلى حلول نهائية وجذرية لكل النقاط الخلافية. بعبارة أخرى إن التنويه بما يجري بين المغرب وإسبانيا من مشاورات لا يعني بالضرورة أن المغرب استجاب للضغوطات التي حاولت مدريد ممارستها عن طريق بعض المؤسسات الأوربية، وإنما على العكس من ذلك معناه أن المغرب مستعد لشهور طويلة أخرى من الجمود إلى أن يفهم الأوربيون أن الواقع الإقليمي تغير وأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الحقبة الكولونيالية.

إن هذه الرسالة المستبطنة في الحديث عن الملف الإسباني غاية في الأهمية باعتبارها أيضا جزء من هذه المفاوضات الجارية اليوم. نحن في المغرب نطمح إلى قطيعة مع كثير من الممارسات حتى لا نتأخر ونتعثر كثيرا في تطوير العلاقات مع بلدان الاتحاد الأوربي، وإذا كانت بعض هذه البلدان تتحجّج بالأمم المتحدة ووثائق مجلس الأمن وغيرها من الذرائع المتجاوزة للاستمرار في النفخ في قضية الانفصال، فإن المغرب لم يعد يقبل ذلك على الأقل من أصحاب المصالح بين هذه البلدان وعلى رأسها إسبانيا وفرنسا وألمانيا، الذين يريدون أكل الغلة والاستمرار في الوقت نفسه في تهديد المغرب وابتزازه من حيث سيادته.

زر الذهاب إلى الأعلى