أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: ماذا ينتظر المغاربة من منتخبي الجماعات المحلية؟

الدار/ افتتاحية

في غمرة الخلط الحاصل لدى الكثير من المواطنين فيما بين الانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية، تزداد مسألة التواصل بشأن البرامج الانتخابية أهمية. برنامج المرشح الجماعي ليس هو برنامج المرشح البرلماني ولا هو برنامج المرشح لمجالس الجهات. هناك القليل من التقاطعات، والكثير من الفوارق والتباينات. ومن المستغرب أن الأحزاب السياسية المتنافسة اليوم في الحملة الانتخابية التي بدأت تزداد سخونة، لا تعير كثيرا من الاهتمام لتنبيه الناخبين إلى هذه الفروق ومحاولة استهداف الساكنة كل حسب احتياجاته وانتظاراته. لكن نجم هذه الانتخابات الثلاثية يكاد يكون اليوم بلا منازع هو المرشح الجماعي.

فالمنتخبون المحليون يمثلون ديمقراطية القرب في أوضح تجلياتها، وكثيرا ما يتساءل الناخبون في إطار مناقشة تطلعاتهم وتوقعاتهم عما فعله هؤلاء المنتخبون في مجال الطرق والبنيات التحتية والمساحات الخضراء والتنظيم العمراني ومحاربة احتلال الملك العمومي وغيرها من التحديات التي لا تزال تواجه المدن والجماعات الحضرية والقروية. وعلى الرغم من أن تجربة الديمقراطية المحلية قطعت أشواطا كبيرة في المغرب ومرت بتطورات عديدة كان أبرزها تبني نظام وحدة المدينة والميثاق الجماعي الجديد إلا أن علاقة الناخبين بمرشحيهم المحليين يعتريها هي أيضا الكثير من انعدام الثقة وانقطاع التواصل وغياب الروابط والآليات الاجتماعية.

والحال أن دور المرشحين المحليين يبدو أكثر خطورة وأهمية في مسألة إعادة الاعتبار للعمل السياسي. فالناس عموما لا يحتكون كثيرا ببرلمانييهم أو مرشحي مجالس الجهات بقدر ما يكادون يلتقون بصفة يومية مع منتخبيهم المحليين في الجماعات إما لأسباب إدارية أو أحيانا لأسباب اجتماعية صرفة. وإذا لم يلمس هؤلاء المواطنون تغييرا واضحا على مستوى تدبير جماعاتهم المحلية ومدنهم وقراهم عن قرب فإن هذا الأمر يزيد من تكريس واقع انعدام الثقة في المؤسسات والمنتخبين وفي العمل السياسي بصفة عامة. هذا المشكل يضع اليوم على عاتق المرشحين الجماعيين مسؤولية ثقيلة يجب رفعها في الولاية الجماعية المقبلة.

هذه المسؤولية تقوم بالأساس على ضرورة بلورة وتفعيل الأدوار الحقيقية للجماعات المحلية باعتبارها فاعلة اقتصادية واجتماعية مؤثرة. بعبارة أخرى ينتظر من الجيل الجديد من المنتخبين المحليين الخروج من دائرة الخدمات التقليدية المرتبطة بتعبيد الطرق والترصيف وتخصيص مساحات خضراء في أحسن الأحوال، أو من خلال تقديم خدمات إدارية وإنسانية لسكان الجماعة في مناسبات العزاء أو الكوارث أو غيرها. هناك أدوار أكثر تأثيرا وأهمية يجب أن تنكب الجماعات المحلية على تفعيلها في المستقبل. ومن أهم هذه الأدوار العمل على توفير الشروط الملائمة إداريا وقانونيا وتقنيا لاستقطاب الاستثمارات وخلق فرص الشغل والمساهمة في إنتاج الثروة.

وتمتلك الجماعات المحلية العديد من المقومات للقيام بهذا الدور الاقتصادي الكبير، فهي غالبا ما تتوفر على الوعاء العقاري الكافي وعلى الموارد البشرية الهائلة بالإضافة إلى أن صلاحيات رؤساء المجالس الجماعية والترابية أضحت اليوم أكثر تقدمية بالمقارنة بما كان عليه الأمر في الماضي. ومن أهم رافعات هذه التحديات الاقتصادية الكبيرة العمل على إنجاح برامج التأهيل الحضري في المدن على الخصوص حيث لا تزال الكثير من الحواضر كأكادير مثلا تنتظر تفعيل برامج ومشاريع هائلة لتحولها من مدن بمؤهلات استقطاب عادية إلى مدن قادرة على رفع تحديات الأوراش الكبرى في مجالات الصناعة والسياحة والفلاحة.

لقد ولّى ذلك العهد الذي كان فيه رئيس الجماعة المحلية وأعضاءها مطالبين بتدبير الشأن اليومي وتصريف الميزانية المتوفرة وغلق الحسابات بأطنان من “الزفت” والإسمنت وأحجار الأرصفة، وأضحى المغرب اليوم في حاجة إلى جيل جديد من المنتخبين المحليين القادرين على مواكبة مستجدات كبرى مثل النموذج التنموي الجديد بما يليق به من أفكار وتصورات ومشاريع طموحة وواعدة.

زر الذهاب إلى الأعلى