افتتاحية الدار: ليلة النكبة الانتخابية للعدالة والتنمية
الدار/ افتتاحية
مثلما كان متوقعا كان التصويت العقابي بطل الليلة التاريخية من يوم 8 شتنبر الذي سيظل عالقا في أذهان المغاربة باعتباره إيذانا بنهاية مرحلة سياسية وبداية مرحلة جديدة. نهاية تجربة من ولايتين حكوميتين هيمن فيهما حزب العدالة والتنمية على رئاسة الحكومة في أول تفعيل لها في ظل دستور 2011، واستمرت الهيمنة إلى أن انتهت بالسقوط المدوي الذي حدث بالأمس. كثيرة هي التأويلات والتفسيرات التي تقدم اليوم لهذا الاندحار الصارخ من المرتبة الأولى في انتخابات 2016 بـ125 مقعدا إلى المرتبة الثامنة بـ13 مقعدا. لا يمكن وصف خسارة 112 مقعدا في البرلمان إلا بكونه نكبة انتخابية لهذا الحزب الذي سيدخل على ما يبدو في طي النسيان.
لقد كانت توقعات الرجل الثاني في الحزب سليمان العمراني بعيدة عن كل البعد عن الواقع عندما اعتبر أن القاسم الانتخابي الجديد الذي تم إقراره سيحرم الحزب من 35 مقعدا برلمانيا، معتبرا أن الحزب سيحصل على 90 مقعدا ليظل ضمن قائمة الأحزاب الأربعة الأولى. لكن ما حدث في اقتراع 8 شتنبر تجاوز تماما تأثيرات القاسم الانتخابي. بل إن القاسم الانتخابي الجديد كان هو طوق النجاة الذي أنقذ الحزب وحفظ ماء وجهه وخول له الحصول على 12 مقعدا. لكن هزيمة العدالة والتنمية ليست مجرد خسارة انتخابية عادية، إنها هزيمة بدلالات غير معتادة.
من هذه الأبعاد التي تجعل من هزيمة العدالة والتنمية نكبة حقيقية هو أن الحزب الذي فاز في الانتخابات بـ102 من المقاعد، أي حزب التجمع الوطني للأحرار، كان حليفا لحزب العدالة والتنمية في الحكومة التي كان يقودها. كما أن ثلاثة حزاب أخرى من الأغلبية التي كان يقودها حصلت على مقاعد أكثر منه، هي حزب الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري. بل إن حزب التقدم والاشتراكية الذي كان يمتلك حقيبة وزارية وحيدة في النسخة الأولى من حكومة سعد الدين العثماني وخرج إلى المعارضة مبكرا استطاع بدوره أن يتقدم على حزب العدالة والتنمية من حيث النتائج بعد أن حصل على 20 مقعدا.
هذه المعطيات التي تظهر السقوط المدوي للبيجيدي في سبورة ترتيب الأحزاب السياسية تؤكد بالملموس أن حزب العثماني دفع بالأساس ثمن اختياراته الكبرى وقراراته التي تبناها سواء في عهد عبد الإله بنكيران أو في عهد خلفه، وخصوصا فيما يتعلق بالإصلاحات اللاشعبية التي أثارت حفيظة وغضب فئات واسعة، وخصوصا من الطبقة الوسطى. يتعلق الأمر بمراجعة سياسة الدعم التي أثرت على القدرة الشرائية وإصلاح نظام المعاشات بشكل أضر بمكتسبات الموظفين وإقرار نظام التعاقد في قطاع التعليم على الخصوص بشكل ساهم في تشكيل رأي عام مضاد للحزب في هذا القطاع. لقد قادت الطبقة الوسطى على الخصوص قافلة التصويت العقابي ضد حزب العدالة والتنمية، وكان ذلك واضحا من خلال التصويت لحليفه الحكومي وخصمه السياسي حزب التجمع الوطني للأحرار.
لكن هزيمة حزب العدالة والتنمية لم تكن ناتجة فقط عن تصويت الطبقة الوسطى العقابي، لقد كان هناك سبب آخر لا يقل أهمية يتعلق بالخلافات الداخلية، فموقف عبد الإله بنكيران الذي عبر عنه في خرجته الإعلامية الأخيرة قبيل الانتخابات أظهر أن جزء من المتعاطفين والمنتمين للحزب بدورهم قد يلجأ إلى التخلي عن قيادته. لقد كان بنكيران نفسه مترددا في الدعوة إلى التصويت على الحزب، عندما قال لمتابعيه “سأصوت على العدالة والتنمية وصوتوا أنتم على من تريدون”. وإذا كان أهل البيت أنفسهم مترددين في ذلك فقد خسروا أيضا بشكل ضمني تصويت باقي التيارات الإسلامية وعلى رأسها تيار جماعة العدل والإحسان الذي تخلى بدوره عن العدالة والتنمية. واكتملت صورة النكبة مع الارتفاع النسبي الذي تم تسجيله في نسبة المشاركة التي تجاوزت 50 في المائة.