أخبار الدار

الصحراء: هل انطلق مسلسل تليين الموقف الجزائري؟

الدار/ رشيد عفيف

لغة الثقة التي تحدث بها وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة في موتمر صحفي يوم الجمعة الماضية تنبئ عن تأثر المفاوضات بالتطورات الأخيرة التي تعرفها المنطقة وعلى رأسها الحراك في الجزائر. خلال المؤتمر الصحفي المنعقد عقب انتهاء المائدة المستديرة الثانية حول الصحراء بضواحي جنيف تضمن إشارات مهمة عن تطورات المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل نهائي للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية.

فرغم التشاؤم الذي عبر عنه المبعوث الأممي هورست كوهلر عندما ذكر في مؤتمر صحفي أن "التقدم بطيء"، إلا أن التفاؤل في الطرف المغربي ظهر جليا في تصريحات وزير الخارجية. وفي إشارة إلى مواقف الجزائر السابقة كانت لبوريطة تلميحة مهمة خلال الندوة أكد فيها أن من ربط مبدأ تقرير المصير باستقلال الأقاليم الجنوبية "كان يخدع الناس". ومن الواضح أن تصريحات وزير الخارجية استهدفت توضيح بعض المغالطات التي كان الطرف الجزائري حريصا على ترويجها طوال سنوات ومن أهمها الإصرار على الحل بعيدا عن السيادة المغربية.

هذا ما عبر عنه بوريطة عندما أكد أن المغرب انخرط في نقاش تقرير المصير خلال المائدة المستديرة الثانية "لتوضيح المغالطات التي كانت ترافق هذا المطلب، وحتى نضع حداً للأحلام والأساطير التي تروج لها جهات معينة". هذه الجهات التي على رأسها الجزائر التي ترعى جبهة البوليساريو وتوفر  الدعم العسكري والسياسي والإعلامي على أراضيها، تعيش اليوم ظرفا سياسيا حرجا يجعل موقفها أقل هجومية في المفاوضات حول قضية الصحراء والتي لطالما تعثرت بسبب تعنت الطرف الجزائري واستمراره في توجيه الانفصاليين نحو تبني مطلب واحد يتعلق بالاستفتاء.

وقد ظهر مما تسرب من نقاشات المائدة المستديرة أن هناك فتورا واضحا في مواقف الطرف الجزائري المتأثر بشكل جلي باحتمالات تغيير النظام السياسي عقب الاحتجاجات المتواصلة والتي بدأت برفض العهد الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة. وتعتبر جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم في الجزائر إلى جانب المؤسسة العسكرية من أكبر الداعمين لجبهة البوليساريو وكانوا على مدى عقود وراء تسليحها وتمويلها ضد المغرب وضد وحدته الترابية. ويواجه الحزب والمؤسسة العسكرية حاليا احتجاجات عارمة في الجزائر تطالب بانبثاق الجمهورية الثانية وبالحريات والديمقراطية والقضاء على مظاهر الفساد.

وقد أورد ناصر بوريطة في الندوة الصحفية ما يشير إلى الفتور الذي يعتري مواقف الجزائر والانفصاليين عندما ذكر أن "لا أحد خلال المناقشات التي جرت على مدى يومين قدم دليلا على أن تقرير المصير وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي يعني الاستفتاء". ويجد المغرب اليوم نفسه في موقع أكثر قوة من أجل إنهاء النزاع المفتعل وإقرار نظام الحكم الذاتي الذي اقترحه على الصحراويين منذ 2007 من أجل تدبير شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأنفسهم. كما تستمد الدبلوماسية المغربية موقفها المعزز من الوثائق الأممية الصادرة مؤخرا بشأن النزاع والتي على رأسها قرار مجلس الأمن 2440 المعتمد في أكتوبر الماضي والذي تشير المادة الثانية فيه على أن الحل يجب أن يكون واقعيا وعمليا، دون أي إشارة  إلى خيار الاستفتاء. وإضافة إلى الوثائق الأممية تعزز الموقف الدبلوماسي بمصادقة البرلمان الأوروبي قبل أسابيع على اتفاقتي الفلاحة، والصيد البحري، التي تشمل الاقاليم الجنوبية، ومصادقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الفصل الثالث من الميزانية الأمريكية والتي تسمح بصرف جزء من المساعدات المقدمة للمغرب على الأقاليم الجنوبية للمملكة.

ويترقب الرأي العام المغربي بشغف حدوث تغيير جذري في الموقف الجزائري من قضية الصحراء المغربية خصوصا في ظل توقعات بإمكانية تغيير النظام يفضي إلى تحول في الثوابت والتوجهات الخارجية للجزائر. هذا الاحتمال يعتبر بمثابة سيناريو الرعب لتنظيم البوليساريو الذي يتوقف وجوده السياسي والعسكري على دعم جزائري لا محدود. وقد شهدت المظاهرات الجارية  في الجزائر إطلاق شعارات ضد تسخير النظام لثروات الجزائر في دعم قضايا لا تهم الشعب الجزائري الذي يعيش أزمات اقتصادية واجتماعية عميقة. فهل تستثمر الخارجية المغربية هذا الواقع الجديد من أجل تشجيع النظام المرتقب في الجزائر  من أجل تليين مواقفه في قضية الصحراء وإنهائها بحل سياسي واقعي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى