أخبار الدار

كل دولة لديها جيش باستثناء الجزائر حيث توجد دولة للجيش

الدار/ سعيد المرابط

في بلد لا تزال سلطته الحاكمة تستمدّ شرعيتها من دورِ رموزها ومؤسساتها، الدور الذي لعبته إبان ثورة الاستقلال بين عامي 1954 و1962، فإن الحراك الشعبي الذي بدأ يقلب الموازين ويهزّ أركان النظام، بلا هوادة، بدأ يواجه “ثورة مضادة”، من العسكر.

رغم قولِ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في آخر رسائله، إن الجزائر مقبلة على تغيير نظام حكمها، على يد الندوة الوطنية الجامعة، وتجديد منهجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي كذلك.

ورغم أنه أوضح، أن الندوة هي التي تتخذ القرارات الحاسمة الكفيلة بإحداث القفزة النوعية، التي تتجسد من خلال تعديل دستوري شامل وعميق، كما أكد أن الشعب هو من يبت في التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء.

رغم كل هذا، إلا أنها لم تخفت وتيرة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير في الجزائر، ولم تغير شيئا، بل تغير الشعار من رفض “العهدة الخامسة”، إلى رفض تمديد “العهدة الرابعة”، بعد إعلان بوتفليقة انسحابه من السباق الرئاسي، وتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة الشهر المقبل.

ويبدوا أن النظام الجزائري يحاول بشكل يائس كسب الوقت، ورؤية كيف يواجه الاحتجاجات الضخمة التي تغلبت عليه، حتى دفع بأقرب الجنرالات العسكرية لبوتفليقة، إلى دعوة تطبيق المادة 102 من دستور الجزائر.

وقد أعلن بعدها، أمس الأحد في الجزائر عن التشكيلة الحكومية الجديدة، التي ترأسها نور الدين بدوي، والتي احتفظ فيها رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، بمنصبه نائبا لوزير الدفاع، ولكن تم استبعاد وزير الخارجية ونائب رئيس الحكومة رمطان لعمامرة من منصبه، وحل محله صابري بوقادوم.

ويقول سهيب شنوف، الإعلامي الجزائري، ومدير موقع “MTAPOST“، في حديث مع “الدار”، أن “الوضع كان متوازنا نوعا ما، قبل كلمة القايد صالح، بين حراك بدون قيادة يطالب بعدم التمديد للرئيس، ورئيس حكومة توافقي، ورفض لخطة آل بوتفليقة والندوة المقترحة لبناء الجمهورية الثانية، وبين معارضة تطالب الجيش بتحمل مسؤولياته، والضغط على الرئاسة للاستجابة لمطالب الشعب، وبين رئاسة راقدة، وتمارس مهامها بشكل عادي دون الالتفات للحراك، وتتدعي أنها لبت مطالبه”.

وأضاف شنوف، أنه “لابد من تعيين رئيس حكومة توافقي لقيادة المرحلة المقبلة، كما لا بد من تعديل قانون الانتخابات، وتعيين شخصيات نزيهة تقود مراقبة الانتخابات، وتغيير رئيس مجلس الأمة”، معتبرا أن “كل هذه الأمور معقدة، لكن مربطها وحلها بتعيين رئيس حكومة توافقي،

وظهور شخصية وطنية توافقية قد ينهي المخاوف ويعطي ضمانات للحراك”.

وعن تحكم الجيش في مفاصل اللعبة، اعتبر متحدثنا، أن “ الجيش لن يتدخل بشكل فج، ويستمر فقط بالضغط بالخفاء”.

وبالنسبة للشعب، “فالجيش غير واضح لحد الآن، هل هناك نية حقيقية بالتضامن مع الحراك، أم أنه يقوم بحماية النظام الجزائري”، يضيف شنوف لـ“الدار”.

ويشدد المصدر ذاته على أن “دور الجيش مهم جدا للانتقال الديمقراطي، ومحاربة الفساد في حال اختار الوقوف بجانب الحراك، ومرافقة الانتقال الديمقراطي وترك السياسيين يديرون المرحلة، كما الانتقال الذي كان في إسبانيا والبرتغال”.

وخلص شنوف، إلى أنه إلى حد الآن “دور الجيش جيد، لكن انعدام الثقة بين الشعب والنظام يجعله يرى أن أي قرار من جانب أي مؤسسة من النظام، وراءها فيلم وخديعة تتطبخ”.

وفي خضم هذا، تراقب إسبانيا، الوضع الجزائري، بعين مفتوحة، ويد على القلب، كما وصف ذلك كاتب إسباني، على عمود له في صحيفة “لاأوبينيون” الإسبانية.

وقال خورخي ديثكايار، أن الجزائر أقرب إلى مدريد من الرباط، وإذا ساءت الأمور فسنملأ باللاجئين. 

مضيفا أنه لهذا السبب وحده، يجب “علينا الانتباه إلى ما يحدث هناك، على الرغم من أن الجزائر هي أكبر بلد في القارة، ولديها احتياطيات ضخمة من الغاز (الذي ترسل إلينا)، ونفوذ سياسي ودبلوماسي ملحوظ في أفريقيا”.

ويضيف الكاتب، أنه رغم ما تحظى به، إلا أن الجزائر لم “تعرف كيف تسلك الطريق إلى الديمقراطية، التي اغتصبت بعد الاستقلال، من قبل أولئك الذين سمحوا بذلك، من جبهة التحرير الوطني إلى الجيش نفسه”.

وأضاف ديثكايار، أن هذا الوضع، جعل الجزائر، بين دول العالم، الدولة الوحيدة التي يمكن أن يقال عنها، أنه “كل دولة لديها جيش، باستثناء الجزائر حيث توجد دولة للجيش”.

ويرى الكاتب إلى أن الجيل الحالي، الذي يقود الحراك، لم يعش سوى رئاسة عبد العزيز بوتفليقة الذي تولى السلطة قبل عشرين عامًا، بعد فترة ما يسمى “العشرية السوداء”، والتي أسفرت عن مقتل 200 ألف جزائري، ولم يعيشوا تلك الوحشية التي تسببت للجزائر في عدم اشتعال  فتيل الربيع العربي، الذي أطاح بن علي في تونس، والقذافي في ليبيا، ومبارك في مصر.

ليس لديهم ذاكرة تختزل الملحمة الأولى، الإستعمار، ولا مآسي الثانية، الحرب الأهلية، يضيف الكاتب، مؤكداً إن شواغلهم غير ذلك، فهم يريدون العمل، ويريدون الحرية، ويرفضون هؤلاء الذين يوثرون أنفسهم بالسلطة ولا يحلون المشاكل التي تطغى على حياة الشعب اليومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 − 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى