أخبار دولية

الجزائر.. مصير ثورة في يد “صالِحَيْن”

الدار/ سعيد المرابط 

عاشت الجزائر ربيعها في التسعينيات، بعد ثورة الخبز الدموية عام 1988؛  ولكن كما هو الحال في بقية الدول العربية، انتهى الأمر بهذا الربيع تحت أنظمة ديكتاتورية في نهاية المطاف.  

لتعيش الجزائر بعدها سنوات حكمٍ عسكرية الإيقاع، إلى أن جاءت سنوات سوداء، عاشها الجزائريون تحت لعلعة الرصاص في حرب أهلية أرختها الذاكرة الجزائرية بـ“العشرية السوداء”.

انقشعت تلك الظلمة السوداء، من سماء الجزائر، لكنها تمخضت عن نظام بوتفليقة، الذي بقي على الكرسي إلى أن حول البلاد إلى جمهورية ميتة مقعدة على كرسي متحرك، يتحكم فيها العسكر ومحيطه المقرب، على رأسهم شقيقه سعيد بوتفليقة.

واليوم بعدما خرج بوتفليقة، صاغرا من مربع الحكم، تحت ضغط الشارع الجزائري الشاب، الذي خرج فطريقة لم تكن متوقعة، بمكان لدى نظام كان يحصي على المواطن حتى أنفاسه.

مظاهرات بدأها الشعب الجزائري في 22 فبراير، لطرد أعضاء نظام فاسد وساكن ومعتم قد حققت استقالة عبد العزيز بوتفليقة ، يوم الثلاثاء ، 2 أبريل.

واليوم تشهد الجزائر مظاهرات الذي رفضوا عهدة بوتفليقة الخامسة، يعيدون نفس المطالب بالجمهورية الثانية، رافضين عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد.

وسيتولى الخلف المؤقت لعبد العزيز بوتفليقة، رئاسة البلاد لمدة ثلاثة أشهر كحد أقصى، على النحو المنصوص عليه في المادة 102 من الدستور، إلى أن يتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة.  

ويتظاهر مئات الآلاف من الجزائريين ضد هذا الحل، الذي أيده الرجل القوي في الجزائر، رئيس الأركان العامة، أحمد قايد صلاح، البالغ من العمر 79 عامًا.

لكن كما يرى نشطاء الحراك الجزائري، تظل آلية النظام كما هي، فن صالح عضو في حاشية عبد العزيز بوتفليقة، وهو صورة سياسي رمادي مطيع؛ يبلغ من العمر 77 عامًا، صحفي سابق في إحدى الصحف الحكومية، وكان مدافعًا متحمسًا عن إصلاح الدستور الذي تعهد به بوتفليقة في عام 2008، باختيار منصب الرئاسة إلى أجل غير مسمى، بما يتجاوز الحد الذي تم تحديده حتى ذلك الحين لفترتين.

في يوم الجمعة الماضي، 5 أبريل الجاري، طالب مئات الآلاف من الجزائريين بمغادرة الباءات الثلاثة، الذي تشير إلى أسماء الذين ينتمون لعصابة بوتفليقة؛ باء نور الدين بدوي، 59 عامًا، الذي عينه بوتفليقة في مارس، أما الآخر فهو رئيس المجلس الدستوري، طيب بلعيز، وهو فقيه قانوني، يبلغ من العمر 71 عامًا ظل مخلصًا لبوتفليقة حتى استقالته، أما الباء الثالثة، فتشير إلى، والثالث هو بنسلال عبد المالك، وكلهم بقوا في مناصبهم. وسوف يلعب الجميع دوراً حاسماً في تنظيم انتخابات رئاسية جديدة.  

ويعتقد الشارع الجزائري أن أي عملية انتقالية أو أي انتخابات تتم إدارتها من قِبل “الباءات الثلاث”، فهي خطة تهدف إلى ديمومة النظام.  “أولاً الديمقراطية ثم بعدها الانتخابات”، كما يقول الصحفي سهيب شنوف.

ويتظاهر الآلاف من الشباب في المدن الرئيسية في البلاد، كل يوم منذ فبراير، وهذه المرة، كان الشعار واضحًا جدًا: “بنسلال إرحل”.  وحتى الآن، كانت الغالبية العظمى من المظاهرات سلمية. وكان تظاهر الطلاب في الجزائر العاصمة، اليوم الثلاثاء هادئًا أيضًا.  ولكن الأمن  قام بقمعها بعنف باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.  

ولا زال النظام البوتفليقي، معتمدا على رجله القوي، قائد الجيش، الذي بدأ في بسط ذراعه بقوة أكبر. ولهذا السبب، غنى الطلاب اليوم الثلاثاء: “نحن مع الجيش، وليس مع قايد”. وتم بث الاحتجاجات على الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الجزائرية المختلفة، ولا يزال النظام يمنع عشرات وسائل الإعلام الأجنبية، من تغطية الأحداث.

وأجبر قائد صالح نظام بوتفليقة في 2 أبريل على الرحيل، متذرعا بالمواد 7 و8 و102 من الدستور الجزائري. في حين تحدد الـ102 طريق الرئيس المؤقت لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما يرفضه الشارع، معتمدا على المادة 87 التي تثبت أن “الشعب هو مصدر كل السلطة”، وأن “السلطة التأسيسية ملك للشعب”.  

وفي خضم هذا الغموض، يحذر الصحفي سهيب شنوف، في تصريحه لـ“الدار”، “من أنه لا يمكن أن تثق في رجل ادعى فجأة أن بوتفليقة غير قادر على تولي الرئاسة، لأسباب صحية، وحتى شهر واحد فقط كان يؤيد ترشيحه لفترة خامسة”.

ووصف شنوف “تعيين  بن صالح بأنه انقلاب استراتيجي من قبل قايد صالح، ووصف الخطوة من وجهة نظر قائد الجيش: “لقد وضعت بن صالح في خط المواجهة وأنسحب بشكل استراتيجي.  كل اللقطات والأجوبة إذا استمرت حركة الاحتجاجات فسأتدخل (منقذًا)، وسأجبر بن صالح على الاستقالة”.

وأصدرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانا ذكرت فيه، أن ما يجري بالجزائر “دائرة مغلقة بالفعل، وتأكيد على إساءة استخدام السلطة، رغم كل الاحتجاجات السلمية ضد النظام.  وهذا الخيار مرفوض من قبل الشارع الجزائري وسيتم رفضه أيضًا بشدة هذه الجمعة وكل يوم جمعة حتى يتغير النظام”.

ويُعتبر عبد القادر بن صالح في بلاده بمثابة عضو للقوة العظمى، يبلغ من العمر 77 عامًا وكان عضوًا مؤسسًا في التجمع الوطني الديمقراطي، وأحد الحزبين الرئيسيين للنظام، إلى جانب جبهة التحرير الوطني.

وفي عام 1997 تم تعيينه رئيسًا للبرلمان، إلى سنة 2002 حيث شغل منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، وكان بن صالح هو السلطة الرسمية الثانية في البلاد منذ 17 عامًا.  

وفي السنوات الست الماضية، منذ أن عانى عبد العزيز بوتفليقة من مرضه في عام 2013، مثل بن صالح الجزائر رسميًا في العديد من القمم أو الاحتفالات مثل جنازة فيدل كاسترو، في عام 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى