النعم ميارة: تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية حول الأمن الغذائي سيحمل إجابات حول الإشكاليات المرتبطة بتقوية الانتاج الفلاحي رغم الإكراهات المناخية
الدار/ خاص
أكد رئيس مجلس المستشارين ، النعم ميارة ، بأن رهان السيادة والأمن الغذائي لا ينحصر في السياسات الوطنية، بل إن النجاح فيه يمر بالأساس عبر تقوية التعاون الثنائي بين الدول ومن خلال اعتماد نظام متعدد الأطراف يساهم في الدفاع عن المصالح ويطور أسلوبا عالميا جديدا للتعاون من أجل الوصول الى عالم بدون جياع.
ودعا ميارة، من خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة إنعقاد الندوة البرلمانية الدولية تحت عنوان “السيادة والأمن الغذائي، بين تحديات الظرفية العالمية ورهانات الأمن الاستراتيجي” إلى تسريع مسار تنفيذ أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالأمن الغذائي وتعزيز تمويل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” وبرنامج الغذاء العالمي للإطلاع بمكانة أكبر في مواجهة المأزق الغذائي الذي يعيشه العالم.
كما أوصى ميارة، بضرورة التفكير في بلورة منصة عالمية لتبادل الممارسات الفضلى في المجال الزراعي والغذائي، والمساهمة الجماعية الناجعة في المسار المفتوح لإصلاح منظمة التجارة العالمية خاصة فيما يتعلق بالإشكالات المرتبطة باستئناف المفاوضات الفلاحية وضرورة دعم قدرات التخزين العمومي من أجل الأمن الغذائي وتعزيز الممارسات الخاصة بتقوية الشفافية الفلاحية على مستوى دعم الاستثمار.
كما أغتنم تواجد مجموعة من ممثلي البرلمانات الاقليمية، للدعوة الى التفكير في إمكانية إحداث “تجمع برلماني دولي للأمن الغذائي”(Food Security Parlementary Caucus) ، يشكل إطارا مؤسساتيا برلمانيا للترافع المشترك حول تقوية الممارسات التشريعية والمؤسساتية بالعالم، وتجمعا حاملا لهموم الشعوب وتطلعاتها من أجل نظام عالمي جديد للعدالة الغذائية يشكل مدخلا أساسيا لتقوية السلم والأن والاستقرار العالمي.
وأوضح رئيس مجلس المستشارين، أن هذه الندوة تنعقد في سياق عالمي صعب ومعقد، يتصدر فيه موضوع السيادة والأمن العذائي الأجندات الوطنية والدولية، خصوصا وأن العالم يواجه أزمة تضخم غير مسبوقة منذ سنوات وحالة من الشك وعدم اليقين في أسواق الغذاء والطاقة وسلاسل اللوجيستيك والتوريد. كما يلاحظ وجود ارتفاع كبير في الطلب العالمي للغذاء وتوجه مجموعة من الدول الى تقييد تصدير المواد الأساسية كالقمح والأرز والسكر والزيوت وبعض المواد الأولية الأخرى الخاصة بالصناعات الغذائية.
وحسب مجموعة من التقارير والأبحاث الدولية فإن الأسباب الرئيسية لهذه الوضعية الصعبة تتعلق باستمرار تداعيات وباء كوفيد 19 بصفة عامة وسياسة صفر كوفيد بالصين، حيث أن منظومة الامداد العالمي لا زالت لم تستطع الرجوع الى مستويات ما قبل الجائحة، ومواجهة العرض العالمي للغذاء لصعوبات كبيرة لضمان التعافي والقدرة على بلوغ مستويات أعلى من الطلب العالمي.
وثانيا، بالارتفاع الكبير في أسعار الطاقة العالمية التي تضاعفت في السنة الأخيرة، والتي تشكل السبب المباشر في حالة التضخم التي يعرفها العالم حاليا، خصوصا في ظل الارتفاع الكبير في تكلفة اللوجيستيك البحرى بمستويات تتعدى 500% في بعض الحالات. وهذا الوضع قد ضاعف أسعار مجموعة من المواد الأساسية وخلق ارتباكا في منظومة سلاسل القيمة الغذائية العالمية.
كما أوضح المتحدث ،أن الحرب بأوكرانيا تعتبر كذلك أحد أسباب تفاقم أزمة الأمن الغذائي بالعالم، وذلك للمكانة الهامة لروسيا وأوكرانيا في أسواق الغذاء العالمية. خاصة وأن البلدين يعتبران منتجان رئيسيان للقمح والشعير والذرة، كما يساهمان بنحو 12% من صادرات بذور اللفت عالمياً، و10% من بذور نوّار الشمس. والوضع مرشح للتفاقم في ظل عدم اتضاح الصورة في قدرات أوكرانيا على ضمان تعافي منظومتها الفلاحية بفعل استمرار حالة الحرب وإغلاق الموانئ الرئيسية بالبلاد.
كما تحدث عن التغير المناخي الذي اعتبره، ميارة، يشكل تهديدًا مضاعفًا للمنظومة العالمية للأمن الغذائي، فمنذ أوائل التسعينات تضاعفت أعداد الكوارث المرتبطة بالتغير المناخي، وهو ما نتج عنه انخفاض إنتاجية المحاصيل الأساسية وساهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض الدخل وعدم الاستقرار. بجانب دخول مجموعة من الدول الأوروبية والمتوسطية في حالة من الجفاف تنذر بإشكالات أكثر تعقيدا على مستويات الانتاجية الفلاحية.
هذه الأسباب تؤكد حسب النعم ميارة ، “أننا نواجه مأزقا غذائيا هيكليا، والعالم يقف عند منعطف حاسم، يحتم على الجميع التفكير في انبثاق أجندة عالمية جديدة للسيادة والأمن الغذائي وبناء نماذج وطنية فعالة لضمان الامدادات اللازمة للغذاء بشكل عادل ومنصف. ونحن مدعوون لابتكار أساليب جديدة لموجهة هذه الأزمة، والابتعاد عن الشعارات في تعاملنا مع هذا الموضوع. خاصة وأن السيادة والأمن الغذائي يشكلان اليوم أحد المرتكزات الرئيسية للأمن الاستراتيجي الوطني والدولي، ومحددا أساسيا لبناء منظومة مستدامة لصناعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي”.
وقال ميارة، أن مجلس المستشارين وبناء على التعليمات الملكية، عمل على إحداث مجموعة العمل الموضوعاتية حول الأمن الغذائي باعتبارها إحدى الآليات المؤقتة المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس المستشارين، التي تهدف بالأساس الى تقديم تقرير مبتكر للمساهمة في التفكير الوطني من أجل بناء نموذج مغربي للسيادة والأمن الغذائي، وتعزيز الرصيد البرلماني، وجعل المؤسسة التمثيلية تضطلع بدور أساسي في تتبع وتقييم السياسات والبرامج العمومية والارتقاء بها إلى مستوى الانتظارات الوطنية والمجتمعية.
وأوضح، أن هذه المجموعة قامت بعمل كبير لإعداد تقريرها، وذلك من خلال إجراء تقييم موضوعي لوضعية الأمن الغذائي والقيام بجلسات استماع وزيارات ميدانية لمجموعة من القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية المعنية والمقاولات العاملة في المجال الفلاحي ومجموعة القرض الفلاحي وأسواق الجملة، بجانب الاطلاع على الممارسات الفضلى الدولية بصفة وعامة، وعلى الخصوص بإيطاليا حيث تم العمل بشكل مباشر مع الكونفدرالية الايطالية للفلاحين والمجلس الايطالي للبحث الزراعي والاقتصاد الفلاحي على مستويات التكييف الزراعي مع التغيرات المناخية وترشيد استعمال الماء وتقوية القيمة المضافة الفلاحية، بجانب الاطلاع على نماذج فلاحية تساهم بشكل كبير في تقوية المردودية الزراعية والتخزين الزراعي وبناء منظومة اقتصادية لتقوية الطبقة الوسطى بالعالم القروي.
وينتظر أن يحمل تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية حول الأمن الغذائي إجابات حول الإشكاليات المرتبطة بتقوية الانتاج الفلاحي على الرغم من الإكراهات المناخية المرتبطة بالجفاف وتقديم تصور استراتيجي لتطوير منظومة وطنية للاحتياطي الاستراتيجي للمواد الأساسية، بجانب تقديم توصيات عملية تهم بالأساس تعزيز القيمة المضافة الفلاحية والولوج العادل والمنصف للغذاء وتطوير سلسلة إمداد وطنية مستدامة للمواد الأساسية. كما ينتظر تقديم تصور حول آليات التمويل الفلاحي وأساليب تطوير آليات الدعم الخاصة بالاستثمار والاستهلاك الغذائي، وذلك من أجل ضمان انبثاق منظومة وطنية متقدمة للعدالة والسيادة الغذائية.
وقال ميارة “نأمل أن يساهم هذا التقرير في بناء سياسات عمومية خاصة بالأمن الغذائي، بجانب تطوير الآليات المؤسساتية في هذا المجال وتعزيز الرصيد التشريعي”. داعيا للتفكير الجماعي من أجل إحداث آلية مؤسساتية مستقلة لتدبير الاستراتيجيات الوطنية للسيادة والأمن الغذائي وحشد الجهود الحكومية والبرلمانية لبلورة قانون إطار خاص بالسيادة الغذائية، سيكون بدون شك مرحلة تشريعية فاصلة ومحددة في مسار انبثاق نموذج مغربي متقدم للسيادة والأمن الغذائي.
يشار أن هذه الندوة البرلمانية الدولية التي انعقدت تحت عنوان “السيادة والأمن الغذائي، بين تحديات الظرفية العالمية ورهانات الأمن الاستراتيجي”. والتي تتوج مسار عمل اللجنة الموضوعاتية المؤقتة حول الأمن الغذائي، تشكل مناسبة مهمة لتعميق النقاش في موضوع السيادة والأمن الغذائي في سياق ارتباطه بالأمن الاستراتيجي. وسينبثق عنها توصيات عملية تساهم في إغناء تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية حول الأمن الغذائي بصفة خاصة والرصيد البرلماني في هذا المجال بصفة عامة.
وقد شارك في هذه الندوة البرلمانيين الممثلين لكل من برلمان المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا والبرلمان العربي وبرلمان البحر الأبيض المتوسط والبرلمان الانديني ورابطة مجالس الشيوخ مجالس الشورى والمجالس المماثلة في افريقيا والعالم العربي والخبراء والباحثين الدوليين.