البيرو تصفع الجزائر وتقطع علاقاتها مع الكيان الانفصالي.. اختراق دبلوماسي جديد في معقل يسار أمريكا اللاتينية المتشدد
الدار/ تحليل
لم يكد أعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية يفرحون ويقرّون عينًا بإعادة النظام الماركسي في كولومبيا الاعتراف بالجمهورية الوهمية في الصحراء المغربية حتى تلقوا صفعة تاريخية من دولة البيرو التي قررت قطع علاقاتها مع الكيان الوهمي وسحب الاعتراف به بعد أكثر من 38 سنة مرت على أول اعتراف لحكومة بيروفية بجبهة البوليساريو. كما يأتي سحب اعتراف ليما بعد أن جمدته منذ سنة 1996 ثم عادت في الصيف الماضي إلى إحيائه ويتبين أن هذا القرار كان مجرد استعداد للقطع النهائي للعلاقات مع كيان اعتادت الجزائر أن تمول الاعترافات به عبر مختلف دول العالم وخصوصا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
هذه الصفعة الجديدة التي تلقتها الجزائر تأتي في أعقاب اتصال هاتفي دار بين وزير الشؤون الخارجية والتعاون ناصر بوريطة ونظيره البيروفي ميغيل رودريغيز ماكاي أسفر عن اتفاق بين الطرفين تلتزم البيرو بموجبه بالإعلان عن سحب الاعتراف وتأييد الوحدة الترابية للمملكة وتأييد مبادرة التفاوض من أجل الحكم الذاتي في الصحراء. كما تم الاتفاق على تعزيز العلاقات بين البلدين من خلال التوقيع على في أقرب وقت على خارطة طريق متعددة القطاعات تشمل إجراءات مشاورات سياسية منتظمة وتعاونا فعالا في المجالات الاقتصادية والتجارية والتعليمية والطاقية والفلاحية. ويفيد هذا الاتفاق الشامل أن القرار البيروفي يأتي بناء على تفاوض ودراسة متأنية للوضع في المنطقة اهتدت بموجبه ليما إلى اليقين بأن مصلحتها الاقتصادية والسياسية لن تتحقق أبدا مع كيان انفصالي مدعوم من نظام عسكري بل من خلال إعادة الأمور إلى نصابها وتعميق العلاقات مع المملكة المغربية التي كانت دائما حريصة على الانفتاح على دول أمريكا اللاتينية.
لكن أهمية هذا الاختراق الدبلوماسي الجديد الذي حققته وزارة ناصر بوريطة في أمريكا اللاتينية تكمن أساسا في أن الأمر يتعلق بحكومة يسارية متشددة. فالرئيس البيروفي الحالي بيدرو كاستيو الذي أتم بالأمس عامه الأول على رأس البلاد ويقود حزب بيرو الحرة، هو زعيم نقابي ماركسي معروف بخياراته اليسارية المتشددة، ومعروف بدفاعه عن المناطق الريفية الفقيرة في مواجهة الشركات الكبرى. وانتزاع سحب للاعتراف بجمهورية الوهم المزعومة من طرف حكومة يغلب عليها التوجه اليساري الراديكالي يعتبر في حد ذاته إنجازا دبلوماسيا مهما خصوصا في أمريكا اللاتينية، التي لا تزال الكثير من حكوماتها تقتات على إيديولوجيات عصر الحرب الباردة، وتقدم نفسها كبدائل عن الخيارات الليبرالية التي تعارضها.
نحن هنا أمام تقدم كبير حققته المؤسسة الدبلوماسية المغربية متمثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون يمكن أن يتخذ خطوة أكثر تقدمية بافتتاح قنصلية جديدة عمّا قريب في أقاليمنا الجنوبية. فالوزير ناصر بوريطة، الذي وضع نصب عينيه محاصرة الجزائر وجبهة البوليساريو في كل المعاقل السابقة التي كانت تعترف بها ومن بينها أمريكا اللاتينية، يعمل كما هو واضح وفق استراتيجية مدروسة تقوم على مسارين واضحين متوازيين: التقليل من عدد الدول التي تعترف بالكيان الوهمي والرفع من أعداد الدول التي تمتلك تمثيليات دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية. ولعلّ المنعطف التاريخي الذي مثّله اعتراف المملكة الإسبانية بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية والتزامها بالتوقف عن كل ما يعاكس وحدتنا الترابية كان بمثابة المحطة التي ستلقي بظلالها بلا شك على مواقف الكثير من دول أمريكا اللاتينية.
من المتوقع إذن أن يشكل قرار البيرو سحب اعترافها بجبهة البوليساريو وجمهوريتها الوهمية حافزا لبعض الأنظمة الأخرى في أمريكا اللاتينية، وخصوصا تلك الدول التي بدأت في السنوات القليلة الماضية في انفتاح تدريجي على مستوى العلاقات الثنائية مع المغرب، لكن تغيير مواقفها من النزاع المفتعل لا يزال في حاجة إلى المزيد من العمل والتقارب والجهود، ولعلّ أهم هذه الأنظمة التي شكلت على مدار سنوات خصما عنيدا للوحدة الترابية للمغرب، النظام الحاكم في كوبا.