أخبار الدارسلايدر

منظمة فرنسية تضع باريس أمام مسؤولياتها.. متى تقطع فرنسا مع المواقف الرمادية تجاه قضية الصحراء؟

الدار/ تحليل

الدعوة التي وجهتها مؤسسة “فرنسا المغرب، سلام وتنمية مستدامة” للسلطات الفرنسية من أجل توضيح موقفها تجاه قضية الصحراء المغربية ومن خلال “التزام واضح” تمثل دعوة منسجمة مع طبيعة المرحلة التي نعيشها، ولم تعد مسألة قابلة للتأجيل. هذه الدعوة التي جاءت بعيد أسابيع فقط من الرسالة الواضحة المباشرة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس بمناسبة خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب إلى الحلفاء التقليديين والجدد، ستخلق ولا بد نقاشا وجدلا في الساحة السياسية الفرنسية بحكم أنها صادرة عن منظمة تمثل إطارا للتعاون الفرنسي المغربي يضم نخبا من الجانبين وتجسد نموذجا للانسجام الذي كانت تعرفه العلاقات بين البلدين عبر التاريخ. لقد كانت فرنسا دائما حليفا قويا للمغرب، كما كان المغرب باستمرار حليفا استراتيجيا لهذه الأخيرة.

ما الذي ينقص إذن هذا التحالف كي يتطور أكثر ويتعزز بل ويستمر؟ العلاقات الاقتصادية الواسعة بين المغرب وفرنسا تشهد على متانة العلاقات بين البلدين. هناك استثمارات بمليارات الدولارات وضعتها المقاولات الفرنسية في المغرب، وتجني مقابلها مليارات المليارات بفضل السوق الوطنية. كما أن المغرب بحكم انفتاحه الثقافي يحتضن دون أي مركب نقص الإرث التاريخي المتبادل بين البلدين ويدمجه في السياق الوطني، يكفي أن نتذكر أن أكبر جالية من الطلبة الأجانب في فرنسا يمثلها الطلبة المغاربة الذين يعدّون بعشرات الآلاف. كما تعتبر الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب والسياح الوافدين من أكبر الجاليات الخارجية لفرنسا عبر العالم.

هذا يعني أن ما يقوّي العلاقات بين المغرب وفرنسا أكثر بكثير مما يمكن أن يؤثر عليها سلبا أو يخلق في قلبها أزمة من أي نوع كان. المسألة الوحيدة التي يمكن أن تعطّل تطوير وتمتين هذه العلاقات أكثر واستمرار هذا الانسجام التاريخي هي قضية الصحراء المغربية، وبالضبط استمرار هذا الموقف الرمادي لباريس تجاه الوحدة الترابية للمغرب. أولا هذا الموقف غير الواضح تجاه قضية مصيرية بالنسبة للمغرب لا مبرر له. هناك دائما سؤال جوهري يطرح نفسه: لماذا تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء بينما تواصل فرنسا تجاهل القضية؟ منطق الأشياء والتاريخ يقول إن فرنسا ينبغي أن تكون أول المبادرين إلى هذه المسألة، فهي من جهة تتحمل مسؤولية تاريخية بسبب أنها كانت أيضا من القوى الاستعمارية التي أثرت في تاريخ المغرب وجغرافيته، ومن ناحية أخرى لأن مصالحها ووجودها في منطقة شمال إفريقيا والقارة السمراء عموما مرهون بحالة من الاستقرار النهائي في هذه المنطقة.

القرار السياسي الفرنسي قادر ودون أي خوف من التداعيات المحتملة أن يعلنها صراحة كما فعلت واشنطن مع دونالد ترامب، ويعمل على إنهاء هذا النزاع المفتعل الذي تعلم فرنسا أكثر من غيرها أنه لم يكن سوى صنيعة ليبية جزائرية غذَّتها صراعات الحرب الباردة في لحظة من لحظات القرن العشرين ومصالح تجار الأسلحة الذين كانوا يختلقون الكثير من النزاعات في القارة السمراء في سنوات الستينيات والسبعينيات. وفرنسا تعلم جيدا بحكم تداخل تاريخها مع تاريخ هذه القارة كيف تم اختلاق منظمة انفصالية بدعم وتمويل ليبي جزائري فقط لتهدد الاستقرار في المنطقة وفي المغرب على الخصوص، الذي كان بعد الاستقلال امبراطورية تحاول استرجاع أمجادها.

لا نريد أن نحمّل فرنسا مسؤولية تاريخية عن اختلاق هذا النزاع لكن من حقنا أن نحمّلها المسؤولية عن استمراره وعدم الحسم فيه بدواعي واهية في دواليب الأمم المتحدة، التي تتخذ فيها باريس بالمناسبة مقعدا مؤثرا باعتبارها من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. والمؤكد في الوقت الراهن أن المغرب شعبا وحكومة وملكا لم يعد يقبل بتاتا هذه المواقف الرمادية من حليف لطالما قدّمنا له كبلد وكسلطة الكثير من العطاء والوفاء للعلاقات المشتركة. لقد دخل المغرب في دينامية جديدة مغايرة فيما يخص تدبير ملف علاقاته الخارجية، وقد كان خطاب ثورة الملك والشعب بمثابة إعلان عن خارطة الطريق الخاصة بهذه الدينامية والتي عنوانها الرئيسي هو أن قضية الصحراء المغربية تمثل المنظار الذي سينظر به المغرب إلى علاقاته مع الأصدقاء والحلفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى