الدار/ سعيد المرابط
ليس خط النار، حيث التماس بين جيشين متقاتلين، أو جماعات في صراع مسلح، أو خط الهجوم والدفاع في مباراة كرة قدم بين فريقين يدحرجان الكرة، ولا هي نقطة في شكل هندسي يتلاقى فيها المستقيم بالمنحنى، بقدر ما هو خط معيشي مستقيم، أما المنحنى فيكمن في في قصص “الحمالة”.
تسميه الصحافة الإسبانية بـ“خط السخط”، الخط الذي يمكن أن يحدث فيه كل شيء، حيث مئات النساء في تقلب الطقس والمناخ، والأمزجة، ينتظرن الحصول على تصريح دخول إلى سبتة.
سامية.. حين تشيخ النساء بؤساً
تربط سامية خمسة حمالات على ظهرها، وترتدي ثلاثة السراويل، بينما في الساقين أربعة قمصان، وفي اليد اليمنى كانت تحمل حقيبة وردية مع ثلاثة أزواج من الأحذية.. بالكاد تستطيع بالكاد التحرك بحرية، رغم عمرها البالغ 28 سنة، ولكنها تمشي وكأنها امرأة تبلغ من العمر ثمانين سنة، فقد تكفل البؤس في تحويلها إلى الشيخوخة. تقول بأنها اعتادت على حمل الوزن الثقيل، على الرغم من أن ظهرها قد صار متقوسا.
سامية هي أم، لديها أربعة أطفال تعمل لإطعامهم. سامية امرأة، تعمل حمالة؛ تعبر يوميا إلى سبتة وثم تعود مع عدة كيلوغرامات من الملابس مخبأة تحت جلباب أو سترة كبيرة. وفي بعض الأحيان، تصادر السلطات تلك البضائع المهربة على الحدود. وفي تلك الأيام لن تأخذ أجرتها. التي لا تتعدى أكثر من 10 يورو.. “لا أستطيع أن أستمر في هذه الحياة، وأنا بحاجة إلى العثور على وظيفة لائقة”، هكذا بمرارة تقول سامية لصحيفة “إِلْموندو” الإسبانية.
سامية وزوجها حسن يعدون السلع بسبتة| المصدر: صحيفة “إِلْموندو” الإسبانية.
ولدت سامية محمد أحمد في سبتة، في حي إِلْبرينسيبي (الأمير)، وفي الـ11 من عمرها ذهبت إلى مدريد، بعدما وجد والدها وظيفة في البناء. ثم انتقلوا إلى مدينة “ييبس” في توليدو. وعندما كانت سامية في الرابعة عشرة من عمرها، وخلال عطلة في شمال المغرب، التقت بزوجها الأول. ورتبت العائلتان حفل الزفاف. وتزوجا دون أن يكون بمقدورهما تشريع زواجهما في إسبانيا عندما فقد كانت قاصرة. وبعد عام أنجبت ابنتها الأولى ، ملاك.. “كان زوجي يطمح الحصول على الأوراق حتى نتمكن من الذهاب إلى إسبانيا، وعندما حصل عليها، وذلك بفضل عقد العمل مزور عند محام في توليدو، هجرني، ولم أسمع عنه شيئا من يومها”.
عادت سامية سنة 2012 إلى سبتة، وفي الفنيدق، وهي مدينة مغربية، في منطقة تطوان، المتاخمة لحدود سبتة، إلتقت برجل آخر، حسن (34 عامًا).. وأنجبوا ثلاثة أطفال آخرين: دنيا (ست سنوات) ، ونرجس (خمس سنوات) ونيسار (ثلاثة، وهي الوحيدة الذي ليس لديها جواز سفر إسباني حتى الآن).
تقول سامية، “كانت أسوأ لحظة ذهبت فيها هي ولادة ابنتي الثالثة، لأن حسن كان في السجن واضطررت إلى تدبر أموري قدر استطاعتي، دون مساعدة أحد”. حاول زوجها العبور إلى سبتة مع 18 كلغ من الحشيش في عربة أطفال، وتم اعتقاله وقضى عامين في السجن.
تعيش سامية مع حسن وأربعة أطفال في الفنيدق، لأنها لا تستطيع استئجار منزل في سبتة، ولا تفوق شقتها أكثر من 25 متر مربع. ويدفعون مقابلها 120 درهم (12 يورو) شهريًا.
الجميع ينام في نفس الغرفة، حسن يعمل أيضا كحمال، مثل كل جيران الحي الذي يعيشون فيه. لأنه في عام 1992، وافقت إسبانيا والمغرب على إعفاء سبتة ومليلية، من تأشيرة “شنغن”، والسماح بالعبور دون تأشيرة من تطوان إلى سبتة.
وبعد ذلك، صار أغلب سكان مقاطعة تطوان البالغين قرابة المليون نسمة، يعملون في ما يسمى التجارة غير التقليدية.
نساء “تاراخال”
عمق المأساة في بوابة سبتة، ليست هي بؤس الحال، ولا تكاشير الواقع، بقدر ما يَتمثل في تغييب صحافتنا للقضية (إلا قليلا)، وخجل الإرادة السياسية.
أما صمت المدافعين عن الحقوق، فيطرح ألف سؤال وسؤال، كأن حقوق الإنسان، حق يراد به باطل!.
لكن الذي لا شك فيه، هو أن التهريب المعيشي، أوكسجين الحياة لهاته النسوة، وأن ظهورهن لا تحمل سوى السلع المهربة، بقدر ما تحمل ما يسد رمق الأيامى واليتامى، وأن خط التماس سيبقى غير مستقيم، لأن من بيده أن يفعل شيئا ما، يعرف الحل، وأن عرق نسوة “خط السخط”، يعتصر في فجوة معيشية، تثقل كل يوم، تثقل على “ظهر” مطالب الحياة.
‘‘حمالات’’ ينتظرن عبور حدود سبتة
يبدأ جدول أعمال سامية من الإثنين إلى الجمعة في الساعة الخامسة صباحًا، “يذهب أطفالي إلى المدرسة في سبتة وعلينا أن نكون على الحدود قريبًا حتى نكون قادرين على العبور. لا يمكن أن يكون بعض الأطفال يتجولون حول الحطام ويتعايشون يوميًا مع الفوضى والصفوف والانهيارات الحدودية التي يتعين عليهم عبورها، صغيرون للغاية، ويجب ألا يشهدوا هذا العنف يوميًا”، تقول سامية.
يدرس الأطفال في مدرسة الأمير فيليبي العامة، وهي آخر مدرسة في أوروبا، على بعد أمتار قليلة من حدود “تراجال“، حيث ستقوم سامية بنقل البضائع التي تمر بعد ذلك إلى المغرب. “دائمًا ما أكون مع بعض الأصدقاء لإخراج الحقائب، وعادةً ما يكون حسن هو الذي يجلبها ويوزعها علينا، قبل أن يحدد السعر مع رجل الأعمال في المغرب وفي سبتة، في الأسبوع الجيد، يمكننا الحصول على 60 يورو، وبالكاد نستطيع بهذا تربية أربعة أطفال” تحكي سامية.
وتعمل معها نساء أخريات مثل حياة، (37 عامًا)، مطلقة من إسباني ولديها طفل في السابعة من عمره. وهناك أيضاً أميمة (23 عامًا) حامل وزوجها في السجن، وكذلك حفيظة (28 سنة)، أم لفتاة تبلغ من العمر أربع سنوات، وهدى (35 عامًا)، مطلقة ولديها ثلاث فتيات.
كلهن يقلن أنهن عادة ما يحصلون على ما متوسطه 7 يورو في اليوم مقابل النقل، بعد قضاء كل صباح في مضلع من 98 ألف متر مربع، بها قرابة 300 مستودع سلع، يتعامل معها 211 مستورد.
هذه الأعمال التجارية، حسب أرقام حكومة سبتة، تدر أكثر من 266 مليون يورو على المدينة.
ووفقا لبيانات حكومة سبتة، ففي العام الماضي كان هناك أكثر من 300 ألف دخول وخروج للحمالة، (في المتوسط 2090 امرأة و2538 رجل في اليوم). وفي المجموع، تم إخراج 27.075.9 طن من البضائع من مدينة سبتة.
عمل لترك الشارع
في عالم “تاراخال” تهيمن مافيا تشغيل الحمالة، التي تستفيد من زيادة ثروتها، على ظهور الحمالة بالتهريب، في حدود تتجه الحكومة المغربية لغلقها أو الحد من التهريب فيها.
منذ شهر، قال نبيل لخضر، المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب بالمغرب، في الرباط إن نيته هي إنهاء دخول المنتجات المهربة إلى المغرب.
ويقدر لخضر بأكثر من 500 مليون يورو قيمة البضاعة التي تدخل من سبتة، مقابل 200 مليون يورو التي تخسرها المملكة المغربية من حيث التعريفات.
وهذا من شأنه أن ينهي عمل الحمالة، وستُترك نساء مثل سامية بدون عملهن الوحيد الذي يسمح لهن بإحضار الطعام إلى المنزل.
وتقول سامية، “من البؤس أننا نعيش هنا كل يوم، لكن إذا انتهى بهم الأمر لوقف عبور البضائع، فستضطر النساء إلى التسول في الشارع أو إلى شيء أسوأ”.
وتضيف سامية “أطفالي إسبان لكننا لا نتلقى أي مساعدة من الدولة الإسبانية، ولا حتى الإستفادة من حق الذهاب الطبيب، أنا إسبانية وأطفالي أيضًا، إنه أمر غير عادل”.