التعاون الاقتصادي والتكنولوجي يدشن لمستقبل واعد للعلاقات المغربية الهندية
الدار- خاص
من أجل شراكة استراتيجية تهدف إلى تقوية الأمن الغذائي والعمل من أجل فلاحة مبتكرة ومستدامة، وقع المغرب والهند مذكرات تفاهم تقضي بأن تزود مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) نيودلهي بـ1,7 مليون طن متري من الأسمدة الفوسفاطية خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة.
هذه المذكرات، ليست سوى تجسيد لعمق العلاقات المغربية الهندسية، التي عرفت تطورا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد الزيارة التاريخية للملك محمد السادس للهند في أكتوبر 2015، والتي اتفق خلالها جلالته مع رئيس الوزراء الهندي، السيد ناريندرا مودي، على إقامة شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد بين البلدين، تتلاءم مع الواقع الجيوستراتيجي والتحديات الكبرى للاقتصاد المعولم.
على المستوى السياسي، تتسم العلاقات الثنائية بالصداقة والتضامن المتبادل، ودعم السيادة الوطنية والوحدة الترابية للبلدين، فضلا عن تعزيز التعاون على جميع المستويات، لاسيما في ظل تنظيم نحو عشرين زيارة وزارية ثنائية خلال السنوات الأخيرة، وتوقيع حوالي أربعين اتفاقية ومذكرة تفاهم تغطي عددا كبيرا من القطاعات.
في ملف الصحراء، تدعم الهند جهود الأمين العام للأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي واقعي ودائم ومتفاوض بشأنه ومقبول من الأطراف لقضية الصحراء، علما أن الجمهورية الهندية سحبت اعترافها بجبهة البوليساريو منذ أزيد من 20 سنة، الأمر الذي ساهم في إعطاء نفس دبلوماسي متجدد للروابط السياسية والاقتصادية والأمنية، التي ضخت فيها دماء جديدة عقب زيارة العاهل المغربي للعاصمة الهندية، على خلفية قمة “الهند وإفريقيا” سنة 2015.
كما تم في هذا الصدد، استكمال 27 بعثة ثنائية بين البلدين على المستوى الوزاري، وتوقيع حوالي أربعين اتفاقية ومذكرة تفاهم خلال السنوات الثمانية الماضية، أجريا نقاشا بناء ومعمقا بشأن القضايا المندرجة على أجندة التعاون الثنائي، مع تأكيدهما على ضرورة إعادة إطلاق التعاون بعد مرحلة كوفيد-19 بين البلدين في جميع المجالات.
كما وقعت الرباط و نيودلهي، شهر ماي 2022، مذكرة تفاهم لتفعيل مشروع استثماري بالمغرب، يهدف إلى خلق آلاف مناصب الشغل ذات القيمة المضافة العليا في مجال البرمجة وخدمات تكنولوجيا المعلومات، حيث سيتم بموجب مذكرة التفاهم هذه، اتاحة إمكانية استقرار عملاق هندي في مجال ترحيل الخدمات بالمغرب، يَنشط في أكثر من 50 بلداً حول العالم، ويُشغل أكثر من 200 ألف شخص، كما حقق رقم معاملات يفوق 11 مليار دولار سنة 2022.
وتعتزم شركة “HCL Technologies”، بموجب مذكرة التفاهم، افتتاح مركز لترحيل البرمجيات بالمغرب، بهدف إنتاج خدمات تكنولوجية ذات قيمة مضافة عليا موجهة إلى زبائنها العالميين؛ كما تعتزمُ الاستثمار في مجال تكوين الكفاءات المغربية في المجال الرقمي.
هذه المبادرة الإستراتيجية لشركة “HCL Technologies”، تهدف من ورائها أيضا، إلى توسيع قدراتها في مجال الإنتاج على المستوى الدولي؛ وذلك من خلال الاعتماد على الموقع الإستراتيجي للمملكة المغربية وقربها الجغرافي من أوروبا، وباعتبارها منفذاً للقارة الإفريقية؛ هذا بالإضافة إلى غناها من حيث الكفاءات المغربية في مجال تكنولوجيا المعلومات.
في سياق متصل، بلغ حجم المبالادت التجارية بين المغرب والهند 2,1 مليار دولار في عام 2019، مدفوعا بشكل خاص بالاستثمارات في قطاعات الطاقة الشمسية، وإنتاج الأسمدة، وصناعة السيارات، والزراعة الغذائية، والنسيج، والصناعة الصيدلانية، كما تحتضن المملكة، 30 مقاولة هندية متخصصة بالأساس في مجالات صناعة السيارات، والفلاحة، والطاقات المتجددة، تطمح إلى جذب المزيد من الاستثمارات الهندية بهدف رفع المبادلات التجارية الثنائية إلى أكثر من ملياري دولار المسجلة حاليا.
في شهر دجنبر 2020، وقع البنك المغربي للتجارة الخارجية (بنك إفريقيا) مذكرة تفاهم مع بنك “إكسيم” الهندي، قصد تعزيز الاستثمارات الثنائية بين البلدين في مجموعة من القطاعات الواعدة خلال المستقبل القريب، وهي الاتفاقية التي جاءت في سياق الطفرة النوعية التي شهدتها المبادلات التجارية بين الرباط ونيودلهي، إذ انتقلت التجارة الثنائية من 1.2 مليار دولار أمريكي عام 2010 إلى 2.1 مليار دولار أمريكي عام 2019، نتيجة الشراكة الاقتصادية التي تهم مجالات الطاقة الشمسية والفوسفاط والنسيج والمنتجات الصيدلانية والكيماوية والصناعة التكنولوجية.
وتروم مذكرة التفاهم، الدعم المالي للمقاولات المغربية والهندية، والعمل على زيادة الاستثمارات بمنطقتي آسيا وإفريقيا، من خلال رفع حجم المبادلات التجارية بين الدولتين في السنوات الأخيرة، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين السوقين.
وما يشجع نيودلهي على التوجه نحو تعميق علاقاتها مع الرباط في مختلف المجالات، والقطاعات، هو نجاح المملكة في فرض نفسها كفاعل مهم بالنظر إلى خصوصيتها كبلد مستقر ومركز اقتصادي إقليمي، في حين أن الهند، سادس أكبر اقتصاد في العالم، تشكل سوقا ضخمة تضم حوالي 1,3 مليار مستهلك، إلى جانب أنها مرتبطة بشكل واسع بمنطقة جنوب آسيا، باتفاقيات للتجارة الحرة مع اليابان وكوريا الجنوبية.
ويراهن المغرب بشكل كبير على العملاق الجنوب آسيوي، لاسيما وأن القائد الهندي ناريندرا مودي رسم هدفا طموحا يتمثل في الرفع من حجم اقتصاد بلاده إلى 5 تريليونات دولار بحلول عام 2024-2025 مقابل 2,8 تريليون دولار حاليا.
الزخم في العلاقات المغربية الهندية، يأتي في سياق تبنى فيه المغرب سياسة تنويع شراكاته الاقتصادية على أساس “رابح-رابح”، والتوجه نحو تعاون جنوب-جنوب الموجه نحو النهوض بالعلاقات الاقتصادية بين المغرب، الرائد إفريقيا، والهند، ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، خاصة بعد انصرام جائحة كوفييد19، وما تفرضه من ضرورة التعاون والتنسيق.