المواطن

روبورتاج (الوليدية): عبد الحق.. قصّة معاناة “غوّاص” في البحث عن رزقه

الرباط/ الوليدية: حليمة عامر – تصوير: خولة السلاوي

عبد الحق، شاب في الثلاثينات من عمره، يستقيظ باكرا، متجها صوب شاطئ الوليدية، مرتديا بذلته السوداء الخاصة بالغطس. يتسلح عبد الحق  بأنبوب أوكسجين طويل تقليدي، يضعه داخل فمه ليمتد نحو سطح الماء، لتسهيل عملية التنفس، بالإضافة إلى الزعانف التي تمكنه من السباحة، وبالتالي توفير ظروف عمل ملائمة، ليعطي عبد الحق إشارة انطلاق رحلة المغامرة داخل أعماق البحر.

يخاطر عبد الحق بحياته، شاقا ظلمات البحار، ليس من أجل الترفيه، أو الاستكشاف والاستمتاع بأخذ صور تذكارية إلى جانب ألوان الشعوب المرجانية، وتنوع الأسماك والطحالب، كما يفعل باقي هواة "الغطس"، بل يغامر عبد الحق نفسه بين الصخور، وربما أسماك القرش المفترسة، المتكالبة بعمق البحر، من أجل البحث عن الصدفيات، وبيعها فب عشية اليوم نفسه، لسد حاجيات أسرة بكاملها.

حب للمهنة أم مجارف القدر

على غرار باقي ساكنة المنطقة، الذين استهوتهم مهنة الغوص، وتوارثوها من أبا عن جد،  لم يختر عبد الحق هذه المهنة لإحياء تقاليد وتراث الماضي،  بقدر ما وجهته إليها دروب القدر، وكانت المدرسة الكبيرة التي تعلم فيها خصلة الصبر.

فغياب فرص مناسبة للشغل، مصانع ومراكز تجارية، على شاكلة باقي مدن الهامش من المغرب، أحبط عبد الحق واغتال اليؤس من أحلامه، وجعله على يقين أنه لا يوجد اختيار.

طريق رحلة غير أمنة

بعد أن يرصد  عبد الحق المكان الذي يتواجد فيه هدفه، معتمدا على حدسه وتجربته،  ينقض غواصنا على فريسته، نزولا بسرعة وبشكل عمودي من أعلى سطح الماء، نحو هدفه، ممسكا بنفسه لدقائق عديدة، وهنا يجب على عبد اللحق أن يتحلى بالهدوء الكافي  ليحافظ على أعصابه، ويداه محملتان ببضعة صدفيات، يضيفها إلى رفيقاتها في كيس يلصقه ببدلته.

وفي رحلته، هذه،  للبحث عن كنوز الطبيعة المخبأة بين أحشاء البحر، يحكي عبد الحق لموقع "الدار"، صعوبات العثور عن طريدته الصعبة المنال، والمتناثرة في قلب أعماق البحر، مستهلا حديثه بغياب المعدات، مثل أدوات الاتصال، التي يمكن أن تساعده على التواصل بمرافقيه في الضفة الأخرى، إضافة إلى أدوات للصيانة والحفر وأدوات أخرى لقياس الضغط ودرجة الحرار وحركة الماء وتحديد موقع تواجده، فوحدها رحمة الخالق من تحرصه.

يواجه عبد الحق كذلك، بعض الصعوبات التي تفرضها الطبيعة المناخية للمدينة، حيث تتميز بحيرة الوليدية بتغير ارتفاع منسوب المياه مع تقلبات الفصول، إذ يضطر عبد الحق للنزول إلى البحر في الصباح الباكر، قبل تعكر لون المياه، وبالتالي يحجب عليه ذلك رؤية الصدفيات المرصوصة في عقر البحر.

ويصف عبد الحق، أنه بعد ارتفاع منسوب المياه، يكون من الصعب عليه وعلى باقي الغواصين بالمنطقة، البحث عن بعض القشريات، مثل "القيمرون" و"لكوطو"، التي تسبح باتجاه المياه العميقة، وتنفر من ضفة البحيرة، ويمكن أن يعود لبيته بعد ساعات من الغوص  خاويَ الوفاض.

ورغم  كل ما رواه لنا عبد الحق بقرحة قلبه، من قصص وحكايات حدثت مع الكثيرين من أبناء المنطقة، الذين ابتلعهم جوف البحر، يصر عبد العالي أن  لا يحيد عن طريق الخطر،  مشددا على أنه لا يوجد بديل آمن، وأن حل أزماتهم الاقتصادية مرتبط بالمشاريع التي يمكن أن يخلقها لهم القائمون على القرار السياسي بالمغرب.

وفي الأخير، ما يصطاده عبد الحق صبيحة اليوم، يتوجه به في اليوم نفسه، إلى سوق بائعي السمك والقشريات البحرية الذين يرصون سلعهم لمرتادي المدينة، وتلك تكون خاتمة رحلة مغامرة عبد الحق.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 + سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى