أخبار الدار

أبو اللوز: مطالب تعديل الفصل 47 تستكثر على المغرب أزمة سياسية

الدار/ حاوره: رشيد عفيف

يعتبر عبد الحكيم أبو اللوز الباحث في العلوم السياسية أن المطالبين اليوم بتعديل الفصل 47 من الدستور فقدوا مواقعهم التي كانت لهم بالأمس، مشيرا إلى أن ما يجري من نقاش حول هذا التعديل ظاهرة صحية تدخل في إطار الصراع السياسي المشروع. ويؤكد الباحث بمعهد جاك بيرك بأكادير أن الذي يعاب على هذه المطالب هي استكثارها على المغرب المرور بأزمة سياسية قد تؤدي إلى تطور في النسق السياسي.

 في الآونة الأخيرة رفعت العديد من الهيئات السياسية مطلب تعديل الفصل 47 من الدستور. كيف تقرؤون هذه الدعوة التي جاءت أحزاب ذات توجهات مختلفة في السياق السياسي الحالي؟

من الناحية المبدئية يعتبر التعديل الدستوري دائما أمرا مطروحا على الساحة. وقد لاحظنا أنه منذ التعديل الأخير في 2011 لم يمر وقت طويل حتى بدأت الانتقادات لهذا الدستور الجديد سواء  في الجانب المتعلق بالصياغة، أو من حيث بعض التسريبات التي سربت إلى الصحافة بخصوص ظروف اشتغال اللجنة الملكية المكلفة بصياغته. إذا إن مسألة مراجعة الدستور صحية ومطلوبة خصوصا أنها لم تكن عملية سهلة في المغرب إذا قارنها بمصادر تجارب وضع الدساتير إذ سنلاحظ أن التجربة المغربية كانت بمثابة منزلة بين المنزلتين. فقد قطعت خطوات كبيرة في اتجاه الدمقرطة لكنها وقفت عند حدود معينة وبالتالي فقد كان دستورا يستجيب للمرحلة. وفي المرحلة الحالية ظهرت الكثير من التوجسات ويمكن اعتبار هذا النقاش الحالي حول تعديل الدستور هو تسخينات وتوقعات لما بعد محطة الانتخابات المقبلة. كأنني بالأحزاب أرادت أن تستعد لكل السيناريوهات المحتملة ما دامت السياسة هي فن الممكن. تجتهد طبعا من أجل الحصول على المرتبة الأولى لكنها تضع سيناريوهات بديلة لحالة الفشل في حيازة المرتبة الأولى.

ما دامت هذه المطالب مرتبطة كما قلت بتدبير محطة الانتخابات المقبلة، فهل هذا يعني أن هذه الأحزاب بدأت منذ الآن تتوقع فوز الحزب الحاكم ممثلا في حزب العدالة والتنمية وعودته من جديدة لرئاسة الحكومة؟

هذا أمر مشروع وممكن جدا. فالأحزاب السياسية عندما تضع رهاناتها وترسم انتظاراتها لا تضع على أساس مخرج واحد، بل تضع توقعات ومدخلات جيدة ومدخلات سيئة. وأظن أن النقاش الدائر بين هذه القوى حول الفصل 47 يدخل في هذا الإطار. أي إطار توقع الأسوأ في نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة. ففي الوضع العادي عندما تكون هذه الأحزاب متيقنة من نتائجها أو لها توقعات عليا فلن يكون لها حاجة في مناقشة تعديل الفصل 47 . إنه إذا صراع تموقعات وهو صراع عادي وصحي ولا يمكن الحكم عليه بهذه الصفة أو تلك، لأن كل حزب يتحرك تبعا لتوقعاته وإمكانياته بالنجاح أو الفشل. وبالمقابل هناك رأي آخر يتساءل عن جدوى مناقشة تعديل الدستور من أجل أن لا ينجح حزب واحد؟ والجواب في نظري هو أننا لا نحكم على مسألة التعديل بقدر ما نحن أمام صراعات سياسية، وهذا المطلب في النهاية يظهر حيوية الحقل السياسي بالمغرب.

إذا عدنا إلى مضمون هذا المطلب نلاحظ أنه يطالب بنوع من المرونة في تعيين رئيس الحكومة المكلف من الحزب المتصدر، علما أن بعض الأحزاب التي ترفع هذا المطلب اليوم كانت بالأمس من أشد المدافعين عن "المنهجية الديمقراطية" بماذا تفسر تناقض هذه الأحزاب بين الأمس واليوم؟

 هذا يفسر بكل بساطة بتغير موازين القوى وتغير مواقع هذه الأحزاب في المسرح السياسي المغربي. فالأحزاب التي كانت تناضل ديمقراطيا من أجل أن يمر المغرب من ملكية تنفيذية إلى ملكية دستورية وإلى مؤسسات حكومية لها كامل الشخصية والسلطات، وحققت جانبا من هذا في دستور 2011، (هذه الأحزاب) لم يعد لها الموقع نفسه وتراجعت بشكل كبير، وغير معنية مباشرة في نظري بمسألة التعديل. فحتى إذا ما تم إقرار هذا التعديل فهذه الأحزاب لا تمثل سوى مكون من ائتلاف حكومي يمكن بقيادة أحزاب أخرى أن يتولى رئاسة الحكومة. هذه الأحزاب التي كانت في الماضي تدعو إلى أن يكون رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات أصبحت اليوم مجرد مؤثث للمشهد السياسي الحالي. لكنني أعود لأقول إن التعديل الدستوري كان واردا داخل المذكرات المرفوعة إلى اللجنة الملكية لتعديل الدستور لكن بشكل محتشم، حيث كانت بعض القوى السياسية تنادي بأن يعطي الفصل 47 منافذ للملك لكي يتجاوز الأزمة السياسية. وهنا أن نورد حجة في نظري تعتبر مهمة جدا وهي أن الأزمة السياسية تعتبر ضرورة في السياسة، فلا تتطور السياسات إلا بعد الأزمات. وما يعاب على هذه المطالب لتعديل الفصل 47 هي أنها تستكثر على المغرب أن يمر بأزمة سياسية. والحال أن النسق السياسي كله لا يتطور إلا بعد الهزات السياسية. أنا إذا لا أؤيد لا أنصار بقاء الحال على ما هو عليه ولا أؤاخذ على المطالبين بتعديل الدستوري، لكنني أعتقد أن النقاش الدستوري حيوي ولا بأس أن نترك المغرب يمر من أزمات سياسية ومن خلال هذه الأزمة نمر إلى التعديل الدستوري.

هل تعتقد أن شروط الأزمة السياسية متحققة اليوم؟

 لا أظن أنها متحققة اليوم لأننا تجاوزنا معضلة تشكيل الحكومة بواسطة مخرجات دستورية. وكما قال الملك هناك عدة مخرجات في الدستور تتيح للملكية التصرف. وربما ما تعتبره الأحزاب المطالبة بتعديل الدستور مبررا مخافة الأزمة السياسية ليس كذلك بالنسبة لأحزاب أخرى. نترك إذا للتدافع السياسي أن يقرر في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى