طرائف المحكمة.. شاب للقاضي: فتح “الفايسبوك” كلفني شهادة السكنى.. (الحلقة 4)
الدار/ عفراء علوي محمدي
كثيرا ما تشهد المحاكم طرائف و"قفشات" واقعية تكاد تتحول إلى نكت، ما يجعل بعض الظرفاء بمختلف دول العالم يخصصون جوائز سنوية لأحسن الأحداث القضائية طرافة وغرابة.
ولا تسلم المحاكم المغربية من هذه النوادر التي لا يعاينها، في الغالب، سوى القضاة والمحامون بفعل احتكاكهم اليومي بالمجال، بالإضافة لبعض الشهود العيان الذين حضروا تفاصيلها وأحداثها، بينما تبقى بعيدة على مرأى ومسمع أغلب المواطنين.
في هذه السلسلة، يعمل موقع "الدار" على نقل أكثر القصص القضائية طرافة وغرابة على لسان مجموعة من المحامين، يرونها بسخرية وخفة دم طيلة شهر رمضان، وهي الأحداث التي تبدد، بشكل سحري، طابع جلسات المحاكم الجدي، وتجعل مواقفها قريبة إلى الطرافة منها إلى الريبة والصرامة.
—
تسرد أسماء الوديع، المحامية بهيئة الدار البيضاء، بعض ما علق بذهنها من طرائف خلال إحدى المحاكمات الأخيرة لاحتجاجات الحسيمة، والتي شهدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء أطوارها.
اختارت الوديع، عضو هيئة دفاع معتقلي "احتجاجات الحسيمة"، في تصريحها لموقع "الدار"، الحديث عن طريفة تتعلق بشاب عشريني، معتقل على خلفية أحداث الريف، تقول: "كان الشاب قد اعتقل قبل أن يصبح راشدا، وكنت قد زرته في بداية الأمر في سجن الأحداث، واكتشفت أنه لا يزال طفلا صغيرا، ذو وجه بريء تقفز منه ملامح الطيبوبة، كما اكتشفت عندها أنه لا يتحدث اللغة العربية، فدأبت على التواصل معه على الرغم من ذلك، بلغة الإشارة، والحركات والسكنات"، مبرزة أن السبب الذي جعل الشاب يجهل اللغة العربية هو "مغادوته مقاعد الدراسة وهو لا يزال قاصرا، ليشتغل في إحدى أوراش "الميكانيك" من اجل إعالة أسرته"،
واسترسلت الوديع حديثها عن الشاب الريفي، الذي تحاشت ذكر اسمه، قائلة: "نقل الشاب إلى سجن الكبار بعد بلوغه سن العشرين، وما هي إلا أيام قليلة حتى استدعته المحكمة ليجيب على أسئلتها، وقبل مثوله أمام هيئة الحكم، وضع في صندوق زجاجي، وهو الصندوق الذي ابتدع مع انتشار ظاهرة الإرهاب".
وانتقدت المحامية الصندوق الزجاجي المطلي في جميع الجوانب، باستثناء الواجهة التي تقابل هيئة الحكم، مبرزة أنه بوجوده يصعب على المحامين التواصل مع المعتقلين، إلا من خلال الواجهة الأمامية، التي يستطيع الدفاع من خلالها الحديث إلى المتهمين "بالإشارة".
وبمجرد أن نودي على اسم الشاب ليمتثل أمام القاضي، خرج من قفصه يرتدي جلبابه الريفي القصير، ويضع على رأسه قبعة بألوان العلم الأمازيغي، وذلك بسبب "افتخاره بالانتماء إلى منطقة الريف"، تسجل الوديع.
وبمجرد امتثاله أمام القاضي، واجهه هذا الأخير بـ"سيل من التهم، وطلب منه الإجابة على مجموعة من الأسئلة، فنظر إليه الشاب باستغراب، والتفت إلى هيئة دفاعه، في إشارة إلى أنه لا يتقن اللعة العربية، ولا يفهم ما قاله الرئيس، آنذاك، طالبنا المحكمة بأن توفر له مترجما".
وأخيرا، وبعد جلسات عديدة، وفرت المحكمة مترجما للشاب الريفي، الذي، وقبل أن يجيب على أسئلة القاضي، قال باللغة الريفية، وكان المترجم يترجم كلامه أولا بأول، "أريد أن أسلم على عائلتي وأسرتي وهيئة دفاعي"، فحاول بذلك القاضي أن يقاطعه لكنه استمر في تحيته بشكل "تلقائي صادق"، على حد قول المحامية.
وبعد إجابة الشاب على أسئلة رئيس الجلسة، تقول الوديع أن الوكيل العام توجه إليه بسؤال غريب، حاول من خلاله إحراجه، قائلا: "كيف لك، أنت الذي لا تتقن اللغة العربية، أن تفتح حسابا على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك؟"، فأجابه الشاب بـ"تلقائية وصدق"، والابتسامة لا تفارق شفتيه: "إني عندما علمت أن الناس يتواصلون عبر شيء اسمه "فيسبوك"، قمت بجمع جميع وثائقي الإدارية، من شهادة سكنى وعقد ازدياد، بطاقة وطنية، فاتورة ماء وكهرباء، وطوابع بريدية، وتوجهت إلى أقرب نادي أنترنت (سيبير)".
"بكلام خجول، حكى الشاب، ذو الملامح الطفولية، للوكيل العام كيف طلب من صاحب (السيبير) أن يفتح له حسابا على الموقع الأزرق، فسخر منه قائلا إن فتح "فيسبوك" لا يتطلب سوى درهمين، ولا داعي لإحضار كل هذه الوثائق الكثيرة، ولم يكد المعتقل الشاب أن ينهي كلامه، حتى انفجرت القاعة بالضحك، غير أن الحنق كان ظاهرا على الوكيل العام رغم الابتسامة التي كادت، في وهلة، أن ترتسم على فمه"، تقول الوديع.
وأضافت: "حاول الوكيل العام مرة أخرى "توريط" الشاب، فعرض عليه صورة لدراجته النارية، وهي الدراجة التي كان يحبها كثيرا، فما كان منه سوى أن قال، وهو يشاهدها على الفيديو، بلغته الريفية: "آه هذه أميرتي.."، مبتسما بشوق".
وتابعت المحامية حكايتها قائلة "ضحكنا من أعماق قلبنا، إذ كانت لحظات رائعة بحق، وقد رفعت عندها الجلسة، ليعود الشاب مزهوا بنفسه إلى الصندوق، وبشكل تلقائي وعادي، دون خوف أو ارتباك. حكايته كانت واقعة طريفة بحق، رافقتنا خلال الجلسات الأخرى، في نكتنا، ومرحنا، إلا أن وضعية المعتقلين، وآلام أسرهم لفراق فلذات أكبادهم، جعلتنا نضح ضحكا كالبكاء".