تحليل إخباري: مهام استطلاعية برلمانية بدون صلاحيات تقريرية
الدار/ رشيد عفيف
أصبحت المهام الاستطلاعية التي تدشنها لجان مجلس النواب نشاطا رقابيا أساسيا في الولايتين التشريعية الحالية والسابقة. وعرفت الأعوام القليلة الماضية منذ إقرار دستور 2011 تناميا في عدد اللجان التي يتم تشكيلها لمقاربة قضايا اجتماعية واقتصادية متنوعة بدء بالمهمات الاستطلاعية إلى السجون مرورا بتلك التي تهتم بتقدم الأشغال في بعض مشاريع البنية التحتية وصولا إلى المهمة الاستطلاعية حول المحروقات. وفي هذا الإطار يأتي إطلاق لجنة القطاعات الاجتماعية في مجلس النواب تحقيقا جديدا حول أوضاع الملاعب الرياضية في البلاد.
ويحدد النظام الداخلي لمجلس النواب في الفرع الثاني منه، الدور الاستطلاعي للجان الدائمة مؤكدا أنه يجوز للجن الدائمة أن تكلف، بناء على طلب من رئيسها بعد موافقة مكتب اللجنة أو رئيس فريق أو ثلث أعضاء اللجنة، عضوين أو أكثر من أعضائها، بمهمة استطلاعية مؤقتة حول شروط وظروف تطبيق نص تشريعي معين، أو موضوع يهم المجتمع، أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب. وتمثل جميع الفرق والمجموعات النيابية في المهام الاستطلاعية المؤقتة إذا كان عدد الأعضاء المكلفين بها يساوي عدد الفرق والمجموعات النيابية.
ورغم الإطار القانوني الذي يوضح اختصاصاتها وطريقة تشكيلها إلا أن أشغال اللجان المكلفة بالمهام الاستطلاعية لا تنجو في مناسبات عديدة من التأثر بالصراعات السياسية للأحزاب الممثلة في البرلمان. ويطعن هذا الواقع كثيرا في مصداقيتها ومدى جدوى النتائج التي تتوصل إليها. في ماي من العام الماضي أشعل تقرير المهمة الاستطلاعية حول المحروقات جدلا كبيرا بين الحليفين الحكوميين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار بعد أن تضاربت المعطيات التي تم الكشف عنها بخصوص نتائج التحقيق. وبينما اتهم ممثلو حزب الحمامة نواب البيجيدي بالمزايدات السياسية واجه نواب الحزب الإسلامي خصومهم بالاتهام بمحاولة إخفاء الحقائق التي توصلت إليها اللجنة حول أرباح شركات توزيع المحروقات وحجمها الكبير.
ورغم أنها تزايدت في الولايتين الأخيرتين إلا أن الباحثين في الشأن البرلماني لا يزالون يؤكدون على محدودية نشاطها كما ونوعا. ففي الدورة التشريعية الماضية لم يوافق مجلس النواب سوى على إنجاز8 مهام استطلاعية من بين 16 طلبا أحيلت عليه برسم السنة التشريعية. وعلى مستوى تفعيل الدور الرقابي وتعزيزه كشف الجدل الذي أثاره تقرير المهمة الاستطلاعية لأسعار المحروقات العام الماضي عن حجم الفراغ الكبير الذي تعيشه المؤسسة التشريعية والحقل السياسي في هذا المجال. إذ لم تشغل لجنة استطلاعية اهتمام الرأي العام في السنوات الماضية مثلما فعلت هذه المهمة التي همت قضية من صميم اهتمامات المواطن وهي قضية ارتفاع الأسعار.
وفي هذا السياق يعتبر هؤلاء الباحثون حصيلة المهام الاستطلاعية دليلا على عدم قدرة البرلمان على المواكبة. وكثيرا ما يتم انتقاد الأداء الرقابي للبرلمان بسبب عدم قدرته على مواكبة انشغالات الشارع. غير أن أكبر انتقاد تواجهه المبادرات الرقابية للبرلمان وخصوصا المهام الاستطلاعية هو غياب الطابع التقريري بالنظر إلى أنها تقتصر على كشف بعض المعطيات وإصدار توصيات لكنها لا تمتلك أي قوة قضائية أو محاسبية. في تقرير لجنة المهمة الاستطلاعية حول المحروقات الذي صدر العام الماضي كشف التقرير عن تضخم هامش ربح شركات توزيع المحروقات وقدر بعض البرلمانيين حجم الأرباح الزائدة ب17 مليار درهم. لكن توصيات التقرير التي كان من بين أهمها السير قدما نحو تسقيف الأرباح لا تزال حبرا على ورق. فقد وضع وزير الحكامة والشؤون العامة مواعيد عديدة لتطبيق هذا القرار كان آخرها نهاية مارس الماضي دون أن يخرج هذا الإجراء إلى حيز التنفيذ.
وتنص المادة 64 من النظام الداخلي لمجلس النواب على ضرورة إحالة تقرير المهمة الاستطلاعية على مكتب مجلس النواب بالموازاة مع إحالته على اللجنة المعنية، داخل أجل لا يتعدى ستين يوما من انتهاء المهمة. وتجري مناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية داخل اللجنة، وتستدعى الحكومة لحضور المناقشة. ولا تعتبر مناقشة التقرير في إطار جلسة برلمانية عامة ومفتوحة مسألة ضرورية إذ يبقى ذلك مرهونا بقرار مكتب المجلس بعد دراسته للتقرير. وفي حالة رفع تقرير اللجنة إلى الجلسة العامة لمناقشته، يمكن للحكومة حضور الجلسة للإجابة عن التساؤلات والاستفسارات المرتبطة بمناقشة التقرير المذكور.