المواطن

بصمات فضالية.. الحلقة السادسة مع الراحل الطاهر الرعد

الدار/ إعداد:  بوشعيب حمراوي

لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات.. 

مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة..  مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين. 

نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.

نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..

بصمات رمضانية.. الحلقة السادسة مع الراحل الطاهر الرعد

لا يمكن أن تخوض في عالم رياضة كرة القدم المغربية، دون أن تعرج إلى أرشيف الراحل الحارس الدولي الطاهر الرعد . أحد حراس المرمى المغاربة الذين أبهروا في صد هجومات أمهر اللاعبين الدوليين، وأبدعوا في ترسيخ دور الحارس الحكيم والقائد الرزين الذي كان يزيد اللاعبين ثقة في النفس، وشحنة في الهجوم والتهديف.. ورسخ لديهم المعنى الحقيقي للأخلاق والسمو  في ممارسة معشوقة الجماهير.

كان الحارس الذي لا يحرس عرينه فقط، بل إنه كان أشد حرسا على تهدئة اللاعبين وتوجيههم سواء داخل فريقه شباب المحمدية، أو المنتخب الوطني.   

لا يمكن أن تطرق باب التدريب والتكوين الرياضي، دون أن يستهويك أرشيف تلك الشخصية، التي جمعت بين التربية والتعليم والتكوين والمصالحة من أجل المصلحة العامة. لعب فأمتع ودرب فأقنع.  

فأستاذ التربية البدنية الذي ابتعد عن قطاع التربية والتعليم، وسط بكاء التلاميذ وزملائه من الأطر الإدارية و التربوية. بعد إحالته على التقاعد. ضل وفيا لدور المربي. وأسس مدرسته الخاصة في كرة القدم التي تعتمد الجدية والأخلاق. واختار أن إحداث المدرسة في وسط قروي.. مرسخا مفهوم التواصل المباشر والقرب في الخدمات. لتحفيز الأسر على دعم هوايات وطموحات أطفالها الرياضية. 

قال لي يوما إنه وجد المنبت والمشتل الحقيقي لإفراز النجوم. وأنه ماض في رسم أهداف المدرسة، المتمثلة في تربية وتكوين الأطفال في مجال كرة القدم. وجعلهم يوفقون بين الدراسة والتدريب وخوض المباريات والمنافسات المحلية والوطنية. وأكد الراحل قيد حياته إن جماعة بني يخلف المحاذية لمدينة المحمدية، تتوفر على ثروة بشرية كروية، وطاقات يمكنها أن تتحول إلى نجوم عالميين في كرة القدم. كما كان معجبا بالبنية الجسمانية لمجموعة من الأطفال القرويين. والتي اعتبرها حينها ميزة خاصة، تزيد من حظوظ امكانية تألقهم مستقبلا.     

سيرة ومسيرة الراحل الطاهر الرعد

ازداد الراحل الطاهر الرعد  سنة 1951 بمدينة فضالة (المحمدية حاليا). داخل أسرة تأكد فيما بعد أن كل أفرادها مهووسون بكرة القدم.  كل أشقائه مارسوا إلى جانبه، وخصوصا بنادي شباب المحمدية، وفي مقدمتهم الأستاذ والمدرب بوشعيب الرعد الذي تسلم مشعل مدرسته من بعد وفاته.

انطلقت نجموميته في حراسة المرمى بوسطه الصغير (درب مكناس)، بعده خطفته الأضواء، لينتقل إلى نادي شباب المحمدية وهو في ربيعه الـ18. حيث استحق مهمة حارس عرين الشباب خلال الموسم الرياضي  68/69. وضل الحارس الأمين إلى غاية نهاية مشواره الكروي كممارس سنة 1985. 

حقق مع ناديه شباب المحمدية  الألقاب الوحيدة التي تتواجد بخزينة أرشيف النادي العريق. فاز معه بكأس العرش موسم 71/72، وكأس المغرب العربي سنة 1973، وكأس العرش 74/75، وكأس الصحراء وكأس الشباب سنة 1976، والبطولة الوطنية موسم 79/80.

وحتى بعد نهاية مشواره كحارس مرمى، وولوجه عالم التدريب، فكان يعتبر نفسه أبا روحيا لشباب المحمدية. اضطر لتقلد مهمة تدريب الفريق في عدة فترات عرف النادي خلالها هزات ومطبات إدارية وتقنية. لم يكن يرفض لعب دور (الرويضة سكور)، من أجل إنقاذ النادي من السقوط والانحطاط.. لكنه كان يؤمن بأن شباب المحمدية هو رمز للمدينة والسكان. علما أنه عاش مضايقات من خصوم صنعهم الحقد والغيرة وأكثر من طينة (مطرب الحي لا يطرب).

علما أن العديد من عاصروا الراحل الرعد، وتتبعوا خطواته وبرامجه في التدريب، أكدوا أن مكاتب التسيير بنادي الشباب المحمدية، لم تكن تدرك حق الإدراك قيمته التقنية والأخلاقية. وأنها فقدت فرص نهضة النادي وتألقه، باستقاطبها مدرين مغاربة وأجانب كانوا يعانون من  غياب الانسجام والتواصل مع اللاعبين. وكان بإمكانهم الاعتماد على شخصية الراحل والأب الذي كان يعلم كل كبيرة وصغيرة عن النادي ولاعبيه ومشاكله الإدارية والتقنية والمالية..    

يعود له الفضل في إدماج أول فوج من النجوم  الشباب داخل النادي،  فوج ضم حينها أسماء وازنة نذكر منها أحمد فرس، حسن اعسيلة، إدريس الحدادي، ميكيل، ابراهيم كلاوة،وذرك خلال الموسم الرياضي 82/83.

بصمة الراحل الطاهر الرعد تجاوزت محيط تراب عمالة المحمدية، لتصل إلى المستوى الوطني والدولي.  إذ حمل القميص الوطني في الفترة الممتدة ما بين سنتي 1974 و1984، وفاز مع المنتخب الوطني  بالميدالية الذهبية خلال الألعاب العربية التي نظمت بسوريا كما خاض معه الإقصائيات المؤدية لكأس إفريقيا سنة 1976.

بعد اعتزاله، دخل (الراحل الرعد)، عالم التحليل الرياضي مع القناة الثانية وكان من الجيل الأول من المحللين. كما اشتغل مع قناة الرياضية عند انطلاقتها كمحلل رياضي وازن له مصداقية ويحظى باحترام الجميع.  

ويعود الفضل لكبير للراحل، بتأسيسه جمعية رياضية، بمنطقة بني يخلف القروية ضواحي المحمدية،  والتي تعنى بالفئات الهشة. استطاع من خلالها أن يمنح فرص التألق والتميز الرياضي لعدد كبير من الأطفال الموهوبين في كرة القدم.

 

ويكفي أنه أسس لمهرجان وطني رياضي كبير، اختار له اسم  (مهرجان التسامح). والذي يعرف سنويا إجراء دوري لكل الفئات الصغرى. تشارك فيه مختلف المدارس الكروية المغربية. ويحج إليه معظم قدماء نجوم كرة القدم. كما يعرف تنظيم ندوات ولقاءات تحسيسية تربوية. والذي بات يحمل اسمه بعد وفاته.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى