أخبار الدارسلايدر

نبيل بنعبد الله.. المزايدة على أصولها!!

لم يفهم المراقبون الخرجة الانفرادية لحزب التقدم والاشتراكية الذي قرر فجأة توجيه رسالة مفتوحة إلى عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، عقب اجتماعه يوم الخميس 30 مارس الجاري. الحزب المحسوب على المعارضة ينتمي إلى مؤسسة تشريعية تسمى البرلمان المغربي ويمتلك مجموعة نيابية محترمة، اعتادت على مساءلة الحكومة وأعضائها باستمرار من خلال الأسئلة الشفوية والكتابية، والتعبير عن مواقفها عبر منصاتها الإعلامية المختلفة، أو عبر وسائل الإعلام العمومية. كما أن مسؤولي هذا الحزب ليسوا أغرابا عن العمل السياسي المؤسساتي وسبق لهم المشاركة في تحالفات حكومية تعاقبت على تدبير الشأن العام ويعلمون جيدا أصول التواصل بين المعارضة والأغلبية، بل لطالما انتقد الأمين العام لهذا الحزب خصومه السياسيين بسبب إساءتهم التصرّف أو التعبير في مواجهة قرارات ومواقف الحكومة.

إذا تأملنا جيدا السياق الذي جاءت فيه رسالة حزب التقدم والاشتراكية والطريقة السينمائية لإخراجها والخطاب المشحون الذي تضمنته، سنستخلص من ذلك عنوانا واحدا هو “المزايدة على أصولها”. ومن يمكن أن يتقن ذلك أفضل من نبيل بنعبد الله الذي جمع كل خبرات الدعاية والمواجهة الإعلامية، باعتباره وزيرا سابقا للاتصال وناطقا رسميا باسم الحكومة، وهو الرصيد الوزاري الوحيد الذي حقق فيه الرجل نجاحا باهرا. أما تجربته القصيرة على رأس وزارة إعداد التراب الوطني فمآلها كما هو معروف كان هو الإعفاء على خلفية التحقيق في ملف مشاريع الحسيمة المعطّلة. والصورة التي يظهر فيها بنعبد الله باللباس التقليدي يتوسط أعضاء مكتبه السياسي وهو يلقي خطبته بعد الاجتماع الأخير أمام كاميرات التلفزيون والإعلام تؤكد أيضا هذه الخبرة الفائقة في عالم المزايدة.

لكن هل الظرفية الحالية التي تمر بها البلاد تحتاج إلى معارضة تتقن المزايدة أم إلى معارضة تمتلك قوة اقتراحية وتقدم المساندة البناءة؟ لا يمكن أن نفهم إذاً هذا الانزواء والانعزال الذي قرره حزب التقدم والاشتراكية من أجل ممارسة معارضته بعيدا عن المؤسسات أو حتى عن تحالفاته الخاصة مع بقية الأحزاب إلا بكونه بحثا عن تميز مفتقد أو مجد غابر. حزب التقدم والاشتراكية الذي حاول بكل ما يملك من تأثير أن يضمن مقعده ضمن الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي الحالي، لكنه فشل في ذلك، هو نفسه الذي يحاول اليوم من خلال هذه الرسالة المفتوحة أن يظهر بمظهر الحزب الذي يمتلك العصا السحرية والمعجزات من أجل حل المعضلات الاقتصادية التي يعيشها العالم بأسره بسبب مستويات التضخم غير المسبوقة، لكنه لا يفصح عن هذه الحلول ويكتفي بتقديم الدروس للآخرين.

من حق حزب التقدم والاشتراكية أن يمارس معارضته وانتقاده للحكومة، لكن ذلك لا يجب أن يكون بغرض استعراضي بعيدا عن المؤسسات الرسمية والقنوات الدستورية المتمثلة أساسا في جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، التي ينظمها الفصل 100 من الدستور. فالخروج عن هذا الإطار الدستوري يوقع حزب التقدم والاشتراكية في خطأ الترويج لحملة انتخابية سابقة لأوانها علما أن الانتقادات التي تضمنتها رسالته كانت كلها منصبة على التعهدات التي قدمها حزب التجمع الوطني للأحرار خلال حملته الانتخابية وليس على الالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي، التي ليس حزب الحمامة المسؤول الوحيد عنها، بل هي تجميع لمساهمات الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحالف الحكومي.

والذي لم ينتبه إليه حزب التقدم والاشتراكية، ذو الجذور الشيوعية التاريخية، أيضا هو أن المزايدة وحدها لا تكفي، فصورة الحزب الذي لا يزال يقدم في واجهته شخصيات ومناضلين من أزمنة قديمة لا يمكن أن تحقق المصداقية المطلوبة أمام الرأي العام، كما أن الركوب على الأزمات نهج أضحى متجاوزا في الممارسات الديمقراطية الحقة. لقد كان أولى بحزب المرحوم علي يعتة أن يعبّر عن مواقفه بعيدا عن الحملة الموجهة عن بعد التي تستهدف حزب التجمع الوطني للأحرار وأداءه الحكومي لأن الآراء الحرة لا تنتظر التعليمات.

زر الذهاب إلى الأعلى