“الهرشة السابعة”.. معالجة درامية لاضطراب نفسي يصيب الأزواج
الدار/ كلثوم إدبوفراض
” الهرشة السابعة” مسلسل مصري من إخراج كريم الشناوي، تأليف مريم نعوم، بطولة نجوم الصف الأول أمينة خليل،
وعلي قاسم ومحمد شاهين وأسماء جلال، وآخرون.
المسلسل تصدّر نسب مشاهدات عالية في الوطن العربي وتم الإشادة به من قبل الجمهور، بالرغم من الانتقادات التي طالت العنوان ” الهرشة السابعة” لغرابته ودخيل على المصطلحات المعروفة والمستهلكة لغويا.
فما المقصود بالهرشة السابعة؟ وكيف تم تصويرها في المسلسل؟
الهرشة السابعة أو The Seven Years Itch ، معتقد اجتماعي شائع، فكرته أن العلاقة الزوجية بعد 7 سنوات وهناك من يقول 5 سنوات أيضا، يشوبها نوع من القلق أو ربما الملل، يبدأ الزوجين الشعور بنوع من الدونية و الروتينية، و حسب الروايات الشائعة، أنه كل الأزواج يحتمل أن يمرّوا من هاته التجربة، الفرق هو إما تجاوزها بأقل الأضرار و الاستمرار في العلاقة، أو وصول الزوجين لمفترق الطرق لينتهي بالانفصال ثم الطلاق.
نجح المسلسل في تجسيد هذه النظرية بواقعية في الطرح غاية في الاحترافية، حيث أن الممثلين أدّوا أدوارهم بشكل يعبّر عن الفكرة التي يحملها العنوان، وهو الشعور أو المشاعر أو الحالة العاطفية والنفسية التي تصاحب فترة ما بعد الزواج من يأس، وضغط نفسي، إضافة إلى الشعور بانعدام القيمة، والحزن ونقص الحافز وصعوبة في الاستمتاع بالأنشطة اليومية المعتادة.
“نادين” و “آدم” الثنائي الذي قام بالأدوار الرئيسية، التي جسّدوا خلالها تطور العلاقة الزوجية بشكل تدريجي في فترة 7 سنوات، بعد إنجاب ” نادين” توأمهما، يجتاح الغضب والصراعات وتحمل المسؤوليات ومضاعفة الالتزامات، لتتحوّل مشاعر الحب والمودة والاهتمام، إلى مشاعر الأمومة والشكوى والتعب، في حوارات بسيطة نعتادها في بيوتنا، الشيء الذي سمح للعمل أن يصل لقلوب المشاهدين أكثر، لأن الجمهور يجد نفسه أمام تجربته الشخصية.
كما تميز العمل بانسيابية في الأحداث، لا يجعل المشاهد يحس بالملل، والتنوع في المواضيع الاجتماعية المرتبطة بالعلاقات الإنسانية والاجتماعيةـ التي أصبحت محط اهتمام الخبراء النفسيين والاجتماعيين في العلاقات الأسرية.
بعيدا عن الفكرة الرئيسية للظاهرة النفسية التي يعاني منها الأزواج بعد السنة السابعة من زواجهم، لم تبخل ورشة السرد التي أشرفت عليها المؤلفة ” مريم نعوم” من استعارة بعض الظواهر الاجتماعية لمعالجتها وجعل المشاهد يتماهى معها في كل حلقة من الحلقات بشكل يومي، من بين هذه المواضيع نجد “الطلاق” حيث تم تمثيله بالصورة التي من المفترض أن تكون عليه بعد إنهاء الشريكين علاقتهما، والمسمّى بالطلاق المتحضّر.
الطلاق المتحضّر هو قرار الانفصال بين الطرفين بعدما وصلت خلافاتهم الزوجية لدرجة استعصى معها التعايش مع بعضهم البعض، بشكل سلمي ومهذّب وبكل هدوء، دون الإضرار ببعضهما أو بمصالح بعضهما أو بنفسية أطفالهما.
عكس المعتاد في مجتمعاتنا، مقابله الطلاق التقليدي الذي ينهي فيه الزوجين عشرتهما الزوجية بصورة عنيفة نوعا ما، والتفنن في صور الضغط والإذلال على بعضهما البعض، وتحريض الأطفال على الطرف الآخر.
كما عالج المسلسل تابوهات إجتماعية، يهاب الناس حتى التفكير في مناقشتها، من بينها تعبير “الرجل” عن انفعالاته عن طريق البكاء، وهو أمر “عيب” في العقلية المتخلّفة المجتمعية، وهذه نقطة تحسَب للمؤلف، حيث أن الفكرة في جعل الرجال في المسلسل يعبّرون بكل أريحية عن عواطفهم الجياشة بدون كبت أو قمع، فهذا يروّض المشاهد العربي على تقبّل الواقعية البيولوجية الخام، أن الرجل “إنسان” لديه عواطف كما “النساء”، و محاولة التصدي لواقع الضغط الاجتماعي الذي يعانيه الرجل داخل المجتمع.
تابوه آخر تم الإشارة إليه في “الهرشة السابعة”، قامت بتشخيصه ” أسماء جلال” في دور ” سلمى”، البنت التي تركها أبويها لمواجهة الحياة بمفردها، ومحاسبة والدتها على عدم تقديم الأمومة لها، وعدم السماح لها بالدخول لحياتها من جديد.
حيث استطاعت “أسماء جلال” تشخيص فكرة الشيء المحظور في مجتمعانا، وهو نقاش ” عقوق الوالدين تجاه أبناءهم”، وهذه ثقافة على المجتمع أن يكتسبها، لأن الأبوين الغير مسؤولين كفاية لتربية أطفالهم، يسبب في تكوين شخصية غير سوية نفسيا وعاطفيا واجتماعيا وهذا يزيد حملا على الأفراد المحيطين به في التعامل معه، والحكم عليه بالتخلي والابتعاد.
من النادر أن نجد عملا بسيطا في تصويره، دون مبالغة في الإعداد أو تكاليف في المشاهد، إلا أن مسلسل ” الهرشة السابعة”،
استطاع أن المخرج الذكي هو من يحوّل عمل درامي بمواضيع اجتماعية نمطية مستهلكة إلى عمل درامي فاخر بكل المستويات، تفوّق في أن يصل لعقول الناس قبل قلوبهم عبر حالة التماهي القصوى مع أحداث وأبطال المسلسل.