أخبار الدار

في حوار مع “الدار”.. عبد الوهاب رفيقي يبرز دلالات ذكرى أحداث 16 ماي الإرهابية

الرباط/ حاورته: حليمة عامر

يومان يفصلان عن ذكرى "تفجيرات 16 ماي" الإرهابية الأليمة التي شهدها المغرب، مخلفة صدمة لدى الجميع وطنيا ودوليا، مخلفا عددا من الضحايا. أمام هذه الظاهرة، ما هي الإجراءات التي وضعها المغرب لتجاوز هذه الفاجعة، التي جعلته يعي بأنه غير معفي من هذه الأعمل الإرهابية، وأن الفكر المتطرف متجدر بترابه، ولا يعني الدول الأخرى فقط، لذلك فهل نجح المغرب في تكريس آليات مناسبة تفتك بالفكر المتطرف من جذوره، وهل يتم إشراك المثقفين والمفكرين في الحرب ضد الفكر بالمتطرف بالمغرب؟ وهل نجح عمر الخيام في بلورة سياسة أمنية كفيلة بالقضاء على الإرهاب؟

هذه الأسئلة وغيرها، قام بالإجابة عنها الباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبو حفص.

إليكم نص الحوار:  

في البداية، ماذا تعني لك ذكرى تفجيرات 16 ماي بالدار بيضاء؟

بالنسبة لي، إن ذكرى 16 ماي تشكل حدثا أليما، وألمه في نظري، منبنٍ على ذكرياته المتعلّقة بهذا الحدث من جهتين، أولا من جهة، أن المغرب تعرض لحدث إرهابي لم يألفه من قبل، وطبعا هذا الحدث الإرهابي خلف عددا من الضحايا وعددا من الأبرياء، وهو ما شكل لي في حينه صدمة لم أكن أتوقعها، ولم أكن أتخيل أن المغرب سيعيش مثل هذه الأحداث التي عرفتها دول أخرى، فالحادث من حيث وقوعه ومن حيث ضحاياه كان صدمة وشكل لي ألما كبيرا.

ومن الناحية الثانية،  وللأسف الشديد، وطبعا تحت ضغط هول الحدث، خلّف نوعا آخر من الضحايا، الذين مستهم الاعتقالات العشوائية، التي تلت هذا الحدث.

لذلك، أعتبر أن هذا النوع الثاني من الضحايا لا يمكن إهماله، ونحن نتحدث عن هذا الحدث على أنه مس هؤلاء المعتقلين ومس عائلتهم ومس أسرهم.. وبالتالي، أنا شخصيا، وما عشته في خضم هذه الأحداث وما عينته من ظلم بعد هذه الأحداث من الطبيعي جدا أن يجعل لهذا الحدث وقعا خاصا فيا وعلى ذاكرتي وعلى وجداني.

طيب، في نظركم ماذا تغير بعد تفجيرات 16 ماي بالمغرب؟

طبعا تغيرت أمور كثيرة بعد تفجيرات 16 ماي، فالمغرب فطن إلى تسلل ظاهرة التطرف بين بعض من أبنائه، وتيقن أن المغرب أيضا أنه ليس استثناء عن باقي الدول التي مسّها هذا الضرر، إذ تغيرت كثير من الإجراءات المتعلّقة بهيكلة الحقل الديني ومراقبته وتأطيره من طرف الدولة، وتغير الوعي الشعبي اتجاه الإرهاب وتغير التوجه وطرق التفاعل مع هذه الظاهرة، التي كنا نظنها من قبل ظاهرة خارجية والمغرب غير معني بها، وحتى على مستوى التفاعل الديني، أظن أن الأمر تغير كثيرا بعد رصد تشكل بعض الأخطاء فيما قبل والتي كان من نتائجها التساهل مع كثير من الأفكار المتطرّفة وانتشارها سواء في المساجد أو من خلال الكتب وكذا عبر دور القرآن وبعض الكتاتيب القرآنية التي كانت غير ملتزمة بالتدين المغربي، والتي كانت تستقي أفكارها من دول أخرى، وما نعيشه اليوم لا شك أنه مختلف عن الوضع وعن الحال فيما قبل.

ما رأيكم في الجهود التي يقوم بها عمر الخيام لمحاربة التطرف الديني؟ وكيف ساهمت في تقليص الأنشطة المتطرّفة بالمغرب؟  

أولا لابد من تثمين كل الجهود التي تبدلها السلطات الأمنية بخصوص محاربة هذه الظاهرة، والحملات الإستباقية التي تقام لمنع أي خطر محتمل وكل الجهود التي تقام للحفاظ على الأمن والاستقرار لمنع أي خطر محتمل والجهود التي تبدل للحفاظ على الأمن والإستقرار، فهذه الجهود عظيمة ولا يمكن إلا تثمينها وتشجيعها وتقديرها كل التقدير، ولكن السلطات الأمنية في نظري تقوم بواجبها على أحسن وجه، والبعد الأمني هو أكثر الأبعاد نجاحا في عملية محاربة الظاهرة التطرف والإرهاب.

ولكن في الوقت نفسه، فهذا الأمر غير كاف، بحيث أن معالجة هذه الظاهرة لا يحتاج فقط إلى الأبعاد الأمنية على أهميتها، بل يجب إشراك المثقفين والمفكرين في هذه العملية، بحكم أن الإرهاب هو فكر قبل أن يكون عمليات تنفيذية وجرائم مرتكبة على الأرض، ولذلك فعلى الجهات المعنية، سواء داخل الدولة والمؤسسات الرسمية أو المجتمع المدني، واجب كبير بالتعامل مع الجهات المختصة لمحاربة هذه الظاهرة، فالأمن كل شهر تقريبا، يفكك خلية أو خليتين، لكن، متى يمكن أن محو هذا الفكر من تربة هذا الوطن، حتى يأتي ذلك اليوم الذي لا نسمع فيه عن وجود مثل هذه الظاهرة، وعن وجود الفكر الداعشي بيننا.

طبعا الأمر ليس باليسير ويحتاج جهودا كثيرة ويحتاج إلى استراتيجية تهم كل وسائل التربية، من أسرة  وإعلام ومجتمع مدني، فكل واحد يجب أن تجتمع فيه الجهود الكافية لمحارية هذه الظاهرة.

طيب، هل هذه الترتيبات تشمل المغرب أم أنها تتجاوزه ترابيا؟

هو طبعا لا شك أن ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة عالمية، وأنه ينغي أن تكون هناك جهود موحدة بين مختلف الدول لمحاربة هذه الظاهرة، ولكن حتى على المستويات المحلية يمكن أيضا الاشتغال، ويمكن العمل  على ذلك، لأنه لكل بلد خصائصه وتجربته التاريخية، سواء على مستوى التجربة الدينية أو التجربة في التعامل مع هذا الموضوع وهذه الإشكالية.

صحيح  أنه نحتاج إلى تعاون ونحتاج إلى لمّ جهود دول مختلفة، ولكن في الوقت ذاته هناك خصوصيات ينبغي التعامل معها وهناك عوامل ينبغي استثمارها قد لا توجد في بلد آخر أو في منطقة أخرى،  ولذلك أنا رأيي ينبغي التركيز على الجهد والعمل المحلي، مع الانفتاح على مشاركة هذه الجهود والتعاون فيها مع جهات أو دول أخرى مستها الظاهرة.

إذن، هو ماهي اقتراحاتكم كباحث في الدراسات الإسلامية لمواصلة محاربة التطرف الديني بالمغرب؟

 لمحاربة هذه الظاهرة واجتثاها كليا، نحتاج إلى رؤية كاملة  وتصور شامل يعنى ببناء ذلك الإنسان الذي يجعله محصنا أن يقع في الفكر المتطرف، وبالنسبة لي ينبغي أن نشتغل على تربية المواطن، وعلى القيم التي تجعل منه إنسانا مستقيما، ومتسامحا، منفتحا ومعتدلا، لذلك فالمدرسة ووسائل الاعلام والأسرة لهم دور كبير في ذلك، فكل هؤلاء يجب أن يشتركوا في وضع استراتيجية متوسطة وبعيدة المدى من أجل إنتاج هذا الإنسان الذي يعرف ما يفعل والذي يستطيع أن يبني هويته الوطنية بشكل يجعله معتزا بهذه الهوية، وغير قابل للاستقطاب من طرف التنظيمات المتطرفة التي تستغل هذه الهشاشة الهوياتية التي يعاني منها كثير من شباب هذا البلد من أجل استقطابهم في هذه التنظيمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى