بصمات فضالية.. الحلقة الـ14 مع البطلة العالمية إشراق صدقي
الدار/ إعداد: بوشعيب حمراوي
لكل مدينة وقرية رائدات ورواد، بصموا بمعادن نفيسة في سجلات تاريخها الحضاري. ساهم كل من زاويته وتخصصه في نهضتها وتطورها في كل المجالات..
مدينة الفضاليين.. ومشتل قبائل المجدبة وزناتة والشاوية… واحدة من تلك المدن التي تحتفظ بأرشيف ثقيل ووازن يستحق الذكر والتذكير والإشادة.. مدينة حظيت باسم ملكي (المحمدية)، نسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس.. واستحقت في فترات من صيرورتها أن تلقب بمدينة الزهور والرياضات الأنيقة. بفضل نساءها ورجالها المبدعين، المكافحين.
نسعى من وراء سلسلة (بصمات فضالية)، أن نسلط الضوء على هؤلاء وأولئك الذين واظبوا على إشعاع نور الأمل والتحدي والمثابرة بالمدينة. شخصيات محلية تألقت في مجالات متعددة محليا ووطنيا ودوليا.
نجوم فضالية برزت في كل مناحي الحياة.. كانت القدوة والقائد و النموذج التنموي المفروض أن يحتذي به الأطفال والشباب… وسيكون لمآثر ومعالم ورموز المحمدية نصيب من هذه السلسلة.. حيث الحديث عن قصص مثابرة وتحدي وكفاح ونجاح وتميز وصمود … تشهد بها المدينة وسكانها وكل الوطن..
—–
إشراق صدقي واحدة من نجمات المحمدية والمغرب والعالم، التي بصمت بقوة وصمت في رياضة السباحة والتيكوادنو. كافحت بما تيسر لأسرتها الفقيرة من إمكانيات مادية ومعنوية. وتمكنت من حصد الألقاب الوطنية والعربية والعالمية. واستحقت تسجيل اسمها بأحرف ذهبية في سجل تاريخ الرياضة الوطنية والدولية. واستحقت في فترات من تألقها العالمي لقب سفيرة المغرب العالمية في رياضة التيكوادنو. وقاهرة نجمات دول آسيا وأوروبا وأمريكا. حكاية بطلة عالمية تعيش بكفاح من أجل ابنتها في انتظار إنصافها.
إشراق التي فضلت التيكواندو على اجتياز امتحان السنة الثانية بكالوريا(الباك) شعبة التربية البدنية. لم تنصفها تلك الرياضة، وما أحرزته من ألقاب وطنية،عربية وعالمية. فعادت خائبة إلى منزل والدها. تجر خيبات الأمل الذي تبخر وحل معه اليأس والإحباط، وألقى بمستقبل ابنتها الصغيرة في المجهول. قبل أن تعود إلى الحياة بشجاعة وقوة، بدعم من أسرتها الكريمة. لتبدأ مرحلة جديدة من عمرها بعيدا عن الرياضة التي أحبطتها.
أجر زهيد لم يتعدى الألفي درهم شهريا
لم تكن إشراق صدقي بطلة العالم في رياضة التيكواندو فئة الوزن الثقيل، والحاصلة على عشرات البطولات المحلية والدولية مع نادي الجيش الملكي والمنتخبين العسكري والمغربي، تدرك أن مسارها الرياضي المشرق ورفعها للعلم الوطني في المحافل الدولية، لن يشفع لها حتى الحصول على الحد الأدنى للعيش الكريم، لتعود إلى حضن والدها بمدينة المحمدية، محرجة ومثقلة بالأمراض النفسية والعضوية. بعد فشل طال حتى مشاريعها التي حاولت أن تعوض بها خيبة حصادها الرياضي. لم تكن تتوقع أن تنقلها اليومي على متن القطار الرابط بين مسقط رأسها بالمحمدية ومعهد المعمورة الرياضي بالرباط، لممارسة تداريبها اليومية، سينتهي بأجر زهيد لم يتعدى الألفي درهم شهريا، علما أنها كانت تنفق نصف المبلغ من أجل الحصول على بطاقة القطار الشهرية. تم إدماجها في صفوف الجيش الملكي بحكم نجوميتها مع المنتخب العسكري، ومنحها راتب شهري حدد في ألفي درهم، كانت تصرف نصفه لتغطية تنقلها اليومي بين المحمدية والرباط.
تبخر وعد الإدماج والترقية
قالت إشراق : (وعدوني بإدماجي في سلك الدرك الملكي، لكنني فوجئت بمنحي وظيفة ضمن سلك الجندية وبمبلغ هزيل). وأضافت في تصريح سابق: وعدوني كذلك بترقيتي لكنني انتظر أكثر من ستة سنوات دون جدوى، لم أجن من نجوميتي أي ربح أو امتياز حيث تم الاستغناء عن خدماتي دون أن أتقاضى أي تعويض أو مستحقات مما جعلني أعيش حاليا ظروفا اجتماعية صعبة للغاية بحيث أصبحت عالة على والدي الذي يعيل خمسة أفراد، وأنا عاطلة عن العمل ومثقلة بالديون، زيادة على إصابتي بأمراض…). تنهدت إشراق قبل أن تتمم: كل هذا تسبب لي في يأس و إحباط قاتلين، إذ بعد سنوات المجد و التتويج، أجد نفسي أعيش الإهمال والتنكر والضياع و التشرد… هل هذا جزاء ما قدمته من خدمات جليلة لوطني الحبيب…لقد تنكر لي المسؤولون و ضاعت جهودي سدى و لم أتلقى إلا اللامبالاة و عدم الاهتمام… كان هذا تصريح سابق للبطلة إشراق قبل ان تشمر على ذراعيها بدعم من أسرتها. وتبحث عن مصدر عيش جديد بعيدا عن الرياضة التي لم تنصفها.
رصيد ثقيل في وزن ثقيل
تضم خزانة البطلة إشراق عدة ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية وطنية وعربية ودولية، انتهت بالفراق القاسي سنة 2008 ، بعد أن اضطرت إلى الإعلان عن التقاعد وإنهاء مشوارها الرياضي، والانتفاضة ضد الراتب الهزيل الذي ضل مجمدا لأزيد من ستة سنوات، والوعود التي ضلت حبيسة أفواه بعض المسؤولين. كانت تتلقى التهاني والشكر والامتنان من طرف المسؤولين، الذين كانوا يبلغونها بتهاني الملك لها، لكنها لم تكن تتلقى مقابل مالي لما أحرزته من ألقاب وميداليات، كما أكدت أن البعض كان يستغرب كيف أنها لم تحظى بإكراميات ملكية (ماذونيات)، وأنهم كانوا ينصحونها بالبحث في الموضوع، وأنه ربما جهات تستفيد من نجوميتها. حكاية طفلة صغيرة آمنت في زمن التباهي بوالدها الرياضي ، أن النجومية طريق الفلاح في المستقبل، إذ لم تتردد في التخلي عن الدراسة، واحتراف رياضة التيكواندو. لكن إشراق الطفلة خيبت آمال إشراف المرأة والأم…
تركت (الباك) من أجل البطولة العربية
في دردشة سابقة لي مع إشراق.. قالت والدموع تكاد تغرق مقلتي عينيها، إنها فضلت المشاركة في البطولة العربية للتيكواندو التي أقيمت سنة 1998 بمدينة الرباط، عوض إجراء امتحانات الباكالوريا شعبة التربية البدنية. وحصلت على الميدالية الذهبية. وأنها اعتبرت التتويج بداية مسار جديد لها ولأسرتها.كانت طفلة شغوفة بالرياضة.
سيرة ومسيرة البطلة إشراق
داخل أسرة تتغذى من الرياضة، بدأت ممارسة رياضة الجمباز و السباحة وعمرها لا يتجاوز الست سنوات، وتمكنت سنة 1994 من نيل لقب بطلة المغرب في السباحة. وفجأة بدأت تميل لرياضة التيكواندو، فانخرطت بنادي اتحاد المحمدية، وتمكنت من انتزاع فضية بطولة المغرب التي نظمت سنة 1995 بمدينة مكناس، وعادت سنة 1996 بقوة، لتحصد ذهبية بطولة المغرب، وكذا سنة 1998. وهي السنة التي التحقت فيها بالمنتخب العسكري، وفازت ببطولة العرب التي أقيمت بالرباط، واستمرت إنجازات إشراق، حيث حازت على ذهبية دورة ملك الأردن سنة 1999، وبرونزية بطولة العالم إناث التي نظمت بفرنسا في نفس السنة. وتوجت بحصولها على بطولة إفريقيا بكينيا 'نايروبي' سنة 2003، و برونزية بطولة العالم بكرواتيا سنة 2004، كما فازت في نفس السنة باللقاء المفتوح بكندا. وسنة 2005 بألمانيا. وأحرزت بطولة العالم العسكرية بكوريا سنة 2005، وبطولات عالمية سنوات 2006 و2007. و2008.